كشفت دراسة حديثة صادرة عن مجموعة من الباحثين في قسم محاربة الرقابة على الإنترنت التابع لجامعة "تورنتو" االكندية لأول مرة عن لائحة الدول زبائن الشركة الإيطالية "Hacking Team" التي تبيع برامج متطورة للتنصت والمراقبة والتجسس على مستخدمي شبكة الإنترنت.
ورصد التقرير خريطة للدول التي يفترض أنها تتعامل مع الشركة، حيث تضمنت اللائحة 21 دولة من ضمنها
الإمارات العربية المتحدة والسعودية ومصر والمغرب والسودان وعمان.
الشركة الرائدة في مجال المعلوميات والتي تسوق نوعا من برامج
التجسس (Spyware) قادر على تسجيل كل ما تم القيام به في جهاز الحاسوب والسيطرة عليه بل وحتى تسجيل كل ما هو محيط به مع نقله إلى الجهة المستفيدة مع ضمان عدم كشف هويتها. لكن نشاط ملفاتها التجسسية وضعته الدراسة تحت مجهرها لتكشفه.
هذه الدراسة وضعت خريطة للبنى التحتية السرية للخادم (Server) الذي تستعمله الحكومات لجمع معلومات ومعطيات المأخودة من الحواسيب باستعمال برنامج تجسس الشركة التي يوجد مقرها بمدينة ميلانو. وقام الباحثون بعملية مسح شبكة الإنترنت ليكتشفوا آثارا لبرنامج الشركة الإيطالية والمسمى "RCS" والذي طورته ليشتغل بطريقة معقدة، ذلك أنه يحول حتى دون الوصول إلى كشف الوجهة النهائية للمعلومات المقرصنة وبالتالي حجب الجهة المستفيدة من التجسس، أي الدولة.
ولإخفاء الجهة الإستخباراتية التي تنتهي إليها المعلومات يتم اللجوء إلى آلية معقد، حيث يقوم الملف المُخفَى (أي برنامج RCS) في جهاز الحاسوب الموضوع تحت المراقبة بجمع المعلومات ليرسلها إلى خادم (Server) وسيط، هذا الاخير يقوم بدوره بإرسالها إلى وسيط آخر فآخر إلى أن تصل إلى النقطة النهائية (Endpoint)، مع العلم أن رحلة المعلومات هذه قد تمر من أجهزة كمبيوتر داخل عدة دول قبل الوصول إلى الكمبيوتر النهائي في الدولة التي تقوم بالتجسس.
غير أن البنية التحتية السرية المستعملة للاستفادة من المنتوج الالكتروني الإيطالي تختلف من دولة إلى أخرى. وفي هذا الجانب كشفت الدراسة ان كل دولة تستعمل شبكة الخدمة النائبة (Proxy) الخاصة بها. واستدل التقرير على ذلك بخادم (سيرفر) نهائي يتواجد في المكسيك لكنه يرتبط بسلسلة وحدات الخدمة النائبة (البروكسي) بهونغ كونغ وبريطانيا وهولندا والولايات المتحدة الأمريكية.
ومن بين الأمثلة الملموسة التي ساقها الباحثون حول استعمال هذه التكنولوجيا بشكل يسعى للتضييق على حرية التعبير و ويتعارض مع المبادئ العالمية لحقوق الإنسان والتي تدحض ما تقوله الشركة؛ هو استعماله من طرف السلطات
المغربية في التجسس واختراق بعض المواقع الالكترونية الإخبارية (كموقع مامفاكينش). وكذلك استخدامه من طرف الإمارات العربية المتحدة لمراقبة الناشط الحقوقي والمدون الإماراتي المعارض أحمد منصور.
وفي إثيوبيا، رصد التقرير أيضا ضحايا آخرين للتجسس بواسطة برنامج "RCS" الإيطالي. ويتعلق الأمر بصحفيين من القناة التلفزيونية الإثيوبية "ESAT"، عبر رسالتين إلكترونيتين ارسلتا باستخدام خدمة "السكايب" للتجسس على مكالماتهم وعلى محتويات رسائلهم الالكترونية وحواسيبهم بشكل عام. ويبدو أن الجهة التي كانت وراء ذلك هي الحكومة الإثيوبية نظرا لعلاقتها الغير الجيدة بالقناة التلفزية المذكورة.
ونقلت مجلة "وايرد" الإيطالية التي فصّلت في التقرير بحكم أنه يتعلق بشركة إيطالية تُسْتعمَل برامجها من قبل دول للتضييق على حرية التعبير؛ عن "كلاوديو كوارنييري" أحد المشتركين على الدراسة: "توثيقنا لاستعمال برنامج "RCS" في مناسبات كثيرة ضد الصحفيين، وتواجد دول كالسودان والعربية
السعودية وأوزبكستان في لائحة مستعمليه يفند ما تقوله شركة "Hacking Team" بأنها تراقب استعمال منتوجاتها في إطار القانون واحترام حقوق الإنسان".
مجلة "وايرد" فسحت المجال للشركة الإيطالية للرد على الدراسة والدفاع عن منتوجاتها وعن شرعيتها، حيث قال مسؤول التواصل بالشركة: "إننا نحتاط جيدا عند بيع منتوجاتنا. إذ لا نبيع للدول التي تدخل في اللائحة السوداء التي وضعها الاتحاد الأوروبي وأمريكا وحلف الناتو. السلطات الساهرة على احترام القانون في حاجة إلى وسائل لضبط الإرهابيين، ومهربي المخدرات، والمتاجرين في الرقيق الأبيض، وغير ذلك من الأعمال الإجرامية المرتبطة بالإنترنت وبالهوتف والحواسيب، وبالتالي فشركتنا تقدم المساعدة في هذه المعارك. وشركتنا لا تقوم بتحقيقات أو بالمراقبة، غير أن هذا لا ينفي كون قوة برنامجنا تدفعنا إلى الحيلولة دون وصوله إلى أياد قد تسيء استعماله، فالتكنولوجيا بشكل عام تُستعمل في ما هو حسن وفيما هو سيئ" حسب قول المتحدث باسم الشركة.
وليست شركة "Hacking Team" الوحيدة التي تعمل في هذه المجال، فإذا كانت أغلب برامج التجسس التي تُسوق اليوم تتطلب تدخلا من صاحب الحاسوب لفتح رسالة وتحميل ملف مرفق ليكون ضحية التجسس، فإن شركة فرنسية تدعى "VUPEN" طورت جيلا جديدا من البرامج كشفته الدراسة المشار إليها، حيث لا يتطلب أي تدخل من المستعمل بل يستطيع الدخول إلى الحاسوب خلسة ويقوم بنفس الأدوار السابقة من جمع المعطيات وسرقتها، وغير ذلك.
يشار إلى أن
جامعة تورنتو "University of Toronto" مقرها في مدينة تورنتو بكندا وتأسست عام 1827، ويدرس بها أكثر من 70000 طالب. وهي واحدة من أكبر عشرين جامعة في العالم كما أنها عضو في رابطة الجامعات الأمريكية.