مباشرة دخلت أوكرانيا على خط الاستقطاب عربيا، فأنصار
الربيع العربي وجدوا أنفسهم في الثائرين، خصوصا أنهم سموا اعتصامهم "ميدانا". وفي المقابل ترى الثورة المضادة في الزعيم الأوكراني المخلوع، حليفا لحليفهم
بوتين أطيح به بفعل مؤامرة أميركية.
وانتقلت رهانات الربيع العربي إلى كييف مباشرة بين من يراهن على الديمقراطية وبين من يراهن على الفوضى.
وفي التفاصيل تبرز صورة
السيسي في موسكو مرتديا المعطف المختوم بالنجم الأحمر، ويتمادي التحليل الاستراتيجي ليصل بين القواعد العسكرية الروسية في طرطوس ونظيراتها في القرم. وعليه قد نجد متطوعين عربا في صفوف الأوكران مقابل آخرين في صفوف الروس، وربما يتحرك حزب الله من يبرود إلى القرم حماية لـ"ظهر " المقاومة، وقد يجد أن جبهة النصرة قد سبقته في "غزوة كييف".
لا يعرف العرب كثيرا عن السياسة في أوكرانيا لكن الانقسام حولها قد يكون مفيدا. فالإيمان بالقيم الديمقراطية بمعزل عن الجغرافيا والمذهب والعرق مهم، ولا شك أن الثوار، ودون التهوين من شأن الانقسام الهوياتي يعبرون عن تلك القيم، في المقابل يعبر الحاكم الحليف لموسكو، أو العميل لها، عن قيم الاستبداد المقرون بالاستقرار والأمن والرشى الاقتصادية المقدمة من موسكو.
جميل أن نتعاطف مع زعيمة المعارضة التي سجنت ظلما ونقارنها بمرسي، فالديمقراطية لا ترتبط بلحية ولا بجديلة شقراء. بل هي قيمة إنسانية عليا. ومن يقفون مع بوتين رجل الكي جي بيه ويعتبرونه امتدادا للاتحاد السوفيتي هم من يقفون من الجنرال السيسي باعتباره امتدادا لعبدالناصر، وكلاهما يجسدان قيم الاشتراكية والعدالة الاجتماعية، مع أنه في الواقع لا علاقة لهما بشيء مما ذكر.
بدلا من الانقسام بين إسلامي وعلماني وشيعي وسني وعربي وكردي ..ننقسم بين ديمقراطي وغير ديمقراطي، ولا شك أن لدى القوة الديمقراطية فرصة تاريخية، والثورة المضادة إن نجحت في تعطيل المسار أو تأخيره إلا أنها لم توقفه. لا في أوكرانيا ولا في العالم العربي.
في هزيمة حليف موسكو وانتصار القوى الديمقراطية في أوكرانيا مكسب للربيع العربي، وضربة لبوتين أحد رعاة الثورة المضادة في
مصر وسورية، لكن ذلك لن يغير موازين القوى على الأرض سريعا. مع الفوارق الكبيرة بينهما. ففي سورية يشكل الدعم العسكري المباشر من إيران وحزب الله عاملا أكثر أهمية من دعم موسكو السياسي والعسكري، فمعركة يبرود تخاض بدماء عناصر حزب الله والحرس الثوري لا الروس. في مصر يقع دعم موسكو العسكري والسياسي والاقتصادي في الدرجة الثانية بعد الدعم السعودي الإماراتي.
لن يرفع بوتين راية استسلام بيضاء، لكنه سينشغل في حديقته الخلفية، والمؤكد أيضا أن القوى الديمقراطية في العالم العربي لن ترفع راية استسلام أيضا، وستواصل نضالها سواء وقفت موسكو معها أم ضدها. فالذين ملؤوا الميادين والشوارع في العالم العربي لم يدفعهم لذلك لعبة استراتيجية دولية بل حاجة إنسانية طبيعية للحرية والكرامة. مثلهم مثل الأوكران.