هذه المرّة لم يعد هناك أي لبس: "
حزب الله" لا ينتمي ولا يريد الانتماء الى النظام
اللبناني، لا يقيم وزناً لأي ميثاق أو وفاق، والأهم أنه فقد القدرة على الاعتراف بالحقائق، ومع ذلك يريد أن يفرض "حقائقه" على اللبنانيين.
لم تكن المرّة الأولى التي يتواقح فيها "حزب الله" على رئيس الجمهورية، لكن أي مواجهة بينهما تعني بالضرورة أن الرئيس على حق. لماذا؟ لأن ميشال
سليمان راعى هذا الحزب كثيراً وطويلاً، قبل الرئاسة وخلالها، وعلى حساب فئات لبنانية اخرى، ظناً منه أن الحزب سيتفهمه عندما يتخذ المواقف الوفاقية الصحيحة التي تتطلبها مصلحة البلد لكنه أخطأ، ثم كرّر الخطأ بتبنّي ثلاثية "الجيش والشعب والمقاومة"، حتى مع علمه أن "حزب الله" أسقط منها "الجيش والشعب" ليبقي على "المقاومة" فحسب.
يمكن اختصار الواقع اللبناني بما توحيه زيارات المسؤولين الايرانيين، وآخرها لرئيس لجنة الأمن القومي علاء الدين بروجردي. يأتون للقاء رجلهم السيد حسن نصرالله، لكنهم يجولون على الرئاسات والوزارات تخصيباً لواقع أن البلد تحت رحمتهم واستغلالاً للمنابر المتاحة لبثّ "خشبياتهم" الاعلامية. عدا ذلك، لا علاقة بين ما يتبادلونه من سطحيات مع ممثلي الدولة والبحث "الذهبي" الذي يتداولونه مع نصرالله. وحين يقول بروجردي إن طهران لا تقايض "المقاومة" بشيء، فهذا لا يعني أنها لن تقايض التخلي عن القنبلة النووية برفع العقوبات، لكن الأتباع في لبنان لا يسعون الى مقايضة بل الى استبدال "المقاومة" بالنظام والدولة.
سيكون هناك اتفاق على البيان الوزاري، رغم تفجّر الخلاف المعروف مسبقاً على المفاهيم وليس فقط على المصطلحات. لم تخض الأطراف نقاشاً سياسياً خلال بحثها في التركيبة الوزارية، فلو فعلت لما تشكلت الحكومة. أما الآن فإن اللغة العربية ستتكفّل بالبيان، ويبقى كلٌ على قناعاته واختلافاته، فهذه مرحلة "الشكل أهم من المضمون". يفيد الشكل بأن "اعلان بعبدا" يمنع "حزب الله" وسواه من التدخل في سوريا، ويؤكد المضمون أنه يقود الحرب ويخوضها في القلمون. ويُظهر الشكل أن "المقاومة" مبدأ انساني سامٍ، أما المضمون فيؤكد أن "المقاومة" بمفهومها الايراني المكيافيلي لم تعد موضع اجماع ما دامت تضرب اللبنانيين والسوريين، فيما تلتقي ضمناً وموضوعياً مع العدو الاسرائيلي على هدف الحفاظ على النظام السوري.
تصوروا كيف سيطبّق "الشكل أهم من المضمون" في عملية اختيار الرئيس اللبناني المقبل. فالرئيس ميشال سليمان انتظر السنة الأخيرة من ولايته ليعطي شيئاً من المعنى والقيمة للرئاسة وموقعها. وما دام الرئيس المقبل "سيُنتخب" في ظل سلاح "حزب الله" والميليشيات التي يرعاها فإن هذا يكرّس وضعية الدولة البلا معنى التي نحن فيها.
(النهار اللبنانية)