لم يتخيل أكثر العرب تشاؤما أن يأتى اليوم الذى يذكر فيه مسئول أمريكى أنه لو «غطى وجوه من قابلهم من كبار المسئولين خلال زياراته الأخيرة للرياض وأبو ظبى وتل أبيب، وأستمع لتصوراتهم بخصوص قضايا ومستقبل الشرق الأوسط، فلن يستطيع التمييز بين السعودى أو الإماراتى أو الإسرائيلى، حيث إن آراءهم متطابقة حيال هذه القضايا».
ولا يزيد من قتامة الصورة السابقة تقابل المصالح
الإسرائيلية مع الخليجية فقط، بل إن الجهود المنفصلة من أجل الضغط على الإدارة الأمريكية لتتبنى مواقف داعمة لتلك الرؤية الإقليمية الموحدة يتم التعبير عنها عربيا فى واشنطن، من خلال المديح المتكرر (غير العلنى بعد)، والاعتماد الكبير على ما يقوم به اللوبى الإسرائيلى. ويبرر خبير أمريكى هذا الموقف بالقول إن «إسرائيل، إلى جانب دول الخليج العربى، هى واحات الاستقرار فى الشرق الأوسط منذ بدء الربيع العربى قبل ثلاث سنوات، ومن الطبيعى أن تجمعهم نفس الهواجس والمخاوف من عناصر عدم الاستقرار المحيطة بهم».
يجمع هؤلاء الفرقاء أهداف شديدة العمومية تتعلق بعدم الرغبة فى أن يخرج نظام بشار الأسد بأى مكاسب من الحرب الأهلية فى سوريا، وألا تصل دول الغرب لاتفاق يحل معضلة ملف إيران النووى، وألا تتحول مصر إلى دولة فاشلة، وألا تقوم قائمة لأى نظام ديمقراطى فى المنطقة العربية.
•••
منذ أيام انتهى المؤتمر السنوى لمنظمة آيباك، وهى أكبر تنظيمات اللوبى اليهودى داخل الولايات المتحدة، بحضور ما يقرب من 14 ألف شخص، مما يجعل منه أكبر مؤتمر تشهده العاصمة الأمريكية على الإطلاق. جاء المؤتمر مركزا على عدة قضايا أهمها كيفية التعامل مع إيران مع استمرار مفاوضات (5+1) لحل أزمة الملف النووى. وركزت المناقشات على إظهار قلق كبير من احتمالات النجاح فى التوصل لاتفاق مرحلى يؤدى إلى انهيار نظام العقوبات المطبقة، ويؤدى لتطبيع غربى وأمريكى للعلاقات مع إيران. وتعتقد آيباك إذا حدث ذلك، فسوف تنتصر طهران تلقائيا. وتشاطر
السعودية آيباك وجهة النظر تلك، ولأسباب أخرى عديدة تجمعهما رغبة قوية فى ضرورة منع هذا السيناريو من خلال استمرار الضغط عن طريق الكونجرس بإصدار المزيد من تشريعات العقوبات رغم معارضة البيت الأبيض. والأهم هو ترديد مقولات تصاعد النفوذ الإيرانى فى المشرق العربى، وذلك بتضخيم الدور الإيرانى بالصراع السورى، وتكرار أن النظام الإسلامى الإيرانى تمدد ووصل لشواطئ البحر المتوسط، وللحدود الإسرائيلية.
يصمم الفرقاء الخليجيون وإسرائيل ألا يعطوا أى فرصة للإدارة الأمريكية لالتقاط أنفاسها بخصوص إيران من خلال تسليط الضوء على الفجوة الواضحة بين البيت الأبيض والكونجرس، ومن خلال اقناع أعضائه بضرورة مواصلة الضغط على أوباما حتى يصبح من المستحيل التوصل لأى اتفاق مع الإيرانيين.
•••
يرى اللوبى الإسرائيلى أن ضعف تنظيم حماس، والذى ينبع من خسارته الحليف السورى وتوقف التمويل الخليجى وتصاعد العداء المصرى يعد من أهم المستجدات التى يجب استغلالها إذ إنها توفر لحظة تبدو أكثر مواتاة لصنع السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل. وتنادى أصوات عديدة بضرورة الضغط على الرئيس محمود عباس باستخدام الدول الخليجية ومصر من أجل أن يقبل ما يطرحه عليه وزير الخارجية الأمريكى جون كاير من وثيقة إطار أمريكى للسلام بين الطرفين. إلا أن طموح اللوبى الإسرائيلى لا يقف عند هذا الحد، فقد دعت أصوات عديدة تخرج مطالبة بضرورة تعديل مبادرة السلام العربية التى خرجت للنور فى اجتماع للقمة العربية عام 2002 على يد ملك السعودية عبدالله بن عبدالعزيز، والتى هدفت لإنشاء دولة فلسطينية معترف بها دوليا على حدود 1967، مع عودة اللاجئين وانسحاب كامل من هضبة الجولان، مقابل اعتراف وتطبيع عربى بإسرائيل. وتقول هذه الأصوات إن أى حديث عن عودة الجولان الآن تضييع للوقت، وأن القيادة الفلسطينية نفسها منفتحة على أفكار تتعلق بمعضلة حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، لذا يجب تعديل المبادرة.
وبالطبع توقف العرب وبينهم المصريون عن ذكر أى شىء يتعلق بضرورة وقف بناء المستوطنات فى الضفة الغربية أو حق العودة أو حتى مستقبل القدس.
•••
شاء حظ مجموعة جلوفر بارك (شركة اللوبى التى تعاقدت معها الحكومة المصرية المؤقتة منذ ستة أشهر) أن ينافسها فى محاولاتها التأثير على أعضاء الكونجرس، ومساعديهم، وأركان الإدارة والاعلام الأمريكى لوبيات أكثر قوة وأكثر تمويلا وتنوعا.
منظمة آيباك لم تترك فرصة إلا وقامت بالتأكيد للكونجرس على ضرورة دعم الجيش المصرى عن طريق استمرار المساعدات العسكرية. وبعد قتل مئات المصريين فى فض اعتصامى رابعة والنهضة واضطرار الإدارة الأمريكية لإيقاف بعض المساعدات العسكرية، سارعت آيباك بإرسال خطاب إلى كل أعضاء الكونجرس تعارض هذا الإجراء بزعم أن هذا سوف يزيد حالة عدم الاستقرار فى مصر ويهدد المصالح الهامة للولايات المتحدة ويأثر سلبا على حليفها الرئيسى فى المنطقة وهى إسرائيل. من ناحيتها طالبت إسرائيل واشنطن بعدم تقليص المساعدات للجيش المصرى تحسبا من تأثير ذلك على أمن إسرائيل وتدهور الوضع الأمنى فى سيناء. وزار واشنطن عقب الإعلان عن وقف المساعدات عدة مسئولين إسرائيليين بهدف توضيح خطورة تلك الخطوة على أمن إسرائيل وتأثيرات ذلك السلبية على قضايا الأمن الإقليمى فى المنطقة.
وتتبنى الدول الخليجية نفس الموقف الرافض لأى ضغوط على الحكومة المصرية وتطالب بعودة كاملة لبرامج المساعدات العسكرية لمصر. ومن الأهمية هنا أن نذكر أن بيانات شركة اللوبى التى تستعين بها الحكومة المصرية تذكر أن مديرها التنفيذى هو «أريك بن زيفى» الضابط السابق بالجيش الإسرائيلى، وهو مواطن إسرائيلى خدم فى الجيش الإسرائيلى وقدم سلسلة من الاستشارات أثناء الانتخابات المختلفة فى إسرائيل. وتقدم المجموعة خدمات لشركات مثل آبل وكوكاكولا، فى حين يعتبر جهاز أبوظبى للاستثمار هو أهم عملائها الأجانب.
وهكذا ينشغل العرب فى واشنطن بلعب دور لا يتضمن أى مواجهة مع إسرائيل أو جماعاتها الضاغطة. واختار العرب استبدال ما يجب القيام به فى أهم عواصم العالم بأجندة سهلة مثل مواجهة معارضيهم السياسيين أو جيرانهم التاريخيين.
(الشروق)