يتحدث
الجزائريون عن مسؤول رفيع في الدولة، فريد من نوعه، هو عبد المالك
سلال، الوزير الأول السابق، والمدير الحالي للحملة الانتخابية للرئيس المترشح عبد العزيز
بوتفليقة لانتخابات
الرئاسة في 17 ابريل/ نيسان الداخل، وذلك على خلفية تصريحاته الهزلية غير المتوقعة، منذ أن تولى رئاسة الوزارة في أيار/ مايو 2012.
وأثارت التصريحات المتوالية الحاملة لمضمون "تهكم" للوزير الأول السابق في زياراته التفقدية إلى مختلف الولايات؛ حفيظة قطاع واسع من الجزائريين، وكذلك "النخبة" المثقفة في البلاد، التي ترى ان منصب الوزير الأول "اكبر من سلال بكثير".
وسلال، البالغ من العمر 64 عاما رغم انه استقال من منصبه للتفرغ لإدارة حملة الرئيس المترشح عبد العزيز بوتفليقة، لرئاسيات 17 نيسان/ ابريل القادم، بناء على طلب بوتفليقة نفسه، إلا ان خطاباته ومواقفه تعطي انطباعا على انه ما زال يمارس مهامه الرسمية في الدولة ، ولا ينظر إليه ما دونه من المسؤولين وحتى المواطنين على انه مدير حملة الرئيس المترشح ولكن كوزير اول.
وتثير تصريحات سلال التهكمية، في كل مرة، غضب الشارع في الجزائر، جراء شعور قطاع كبير من الجزائريين باستفزازهم.
وآخر "زلة لسان" وقع في فخها مدير الحملة الانتخابية لبوتفليقة، ان تهكم الجمعة الماضية امام مدراء الحملة عبر 48 محافظة جمعهم بالعاصمة من امازيغ الشرق الجزائري، الذين يطلق عليهم تسمية"الشاوية"، حيث قال: "الشاوي حاشا رزق ربي" ويعني ان الرجل الشاوي "ليس في المستوى"، وهو وصف نقله سلال لمحدثيه على ان سكان محافظة قسنطينة في الشرق يطلقونه على جيرانهم في محافظة باتنة المجاورة.
وخرج الآلاف من سكان باتنة الى الشارع منذ السبت، منددين بما وصفوه بـ"الإساءة لهم". وتتواصل الاحتجاجات وسط المدينة التي التحق بها المئات من المحتجين من المحافظات المجاورة من الامازيغ "الشاوية" كمحافظة خنشلة ومحافظة ام البواقي، ويردد هؤلاء عبارات مناهضة لمدير حملة بوتفليقة.
وتنقل الوزير الاول بالنيابة يوسف يوسفي رفقة قائد الدرك الوطني اللواء احمد بوسطيلة الاثنين الى محافظة باتنة، آتيا اليها من محافظة غرداية في الجنوب، حيث تشهد أعمال عنف غير مسبوقة. وقال يوسفي: "ان سلال صديقي ولا يقصد الاساءة لأي كان ولا ينبغي تضخيم الامور".
ويعتقد الكثيرون ان سلال يدفع ضريبة جهله باللغة العربية، اذ انه زاول مسارا تعليميا بالفرنسية مثل العديد من المسؤولين الجزائريين.
ويقول الكاتب والصحفي بجريدة "الوطن" الناطقة بالفرنسية، فيصل مطاوي، لـ"عربي 21": " أعتقد انه لا يمكن لنا ان نسير بلدا بالنكت إلا إذا اعتقدنا ان الجزائر جمهورية كوميدية". وأضاف مطاوي: "ان سلال الذي شرع في حملة انتخابية لفائدة الرئيس المترشح منذ اشهر يعتقد ان الوضعية التي توجد عليها البلاد غير خطرة، وتسمح له بفعل ما يفعله".
ويؤكد مطاوي أن "أمازيغ الشاوية شعروا انهم مستهدفون من قبل السلطة من خلال تصريحات سلال، لأن الرئيس بوتفليقة نفسه قد أساء لأمازيغ الشاوية لما وصفهم في حملة انتخابية سابقة بأنهم متزلفون". وتابع مطاوي: "هذه السقطات سيكون لها اثار وخيمة مستقبلا".
وقررت الجمعية الوطنية المسماة "أوراس الكاهنة" النشطة في مناطق امازيغ الشاوية؛ اللجوء إلى القضاء لمحاكمة مدير حملة الرئيس بوتفليقة، معتبرة انه استعمل "كلمات جارحة ومهينة تضاهي تلك المستعملة في الفترة الاستعمارية".
وجاء في بيان الجمعية الذي حصلت "عربي21" على نسخة منه اليوم الثلاثاء، أنه بعد "الكلمات الخطيرة والمجحفة والجارحة والمهينة والقاذفة التي أطلقها عبد المالك سلال ضد قطاع من الجزائريين الذين هم الشاوية، فإن الجمعية الوطنية "أوراس الكاهنة" قررت رفع دعوى قضائية أمام المحاكم الجزائرية ضد العبارات الخطيرة والجارحة التي استخدمها الشخص المذكور اسمه".
وأكد رئيس الجمعية بشير أغرابي أن "هذا النوع من المساس بالوحدة المعنوية لجزء من الشعب الجزائري، ومنطقة لطالما ضحت بالشهداء من أجل تحرير هذا البلد من القوى الاستعمارية العالمية التي "تنمرت" على الشعب منذ 132 سنة، لتجد نفسها في الأخير تعامل بشكل قاس بنفس عبارات الفترة الاستعمارية من شخص يقول عن نفسه أنه مسؤول سياسي سام في الجزائر المستقلة".
من جهتها، اكدت "الحركة الثقافية
الأمازيغية لمنطقة الأوراس" في بيان؛ انها تدين ما صدر من كلمات غير لائقة للوزير الأول المستقيل عبد المالك سلال، وقالت ان تصريحاته "تكرس القبلية ويهدد استقرار الجزائر في هذا الظرف التي تشهد فيه غليانا ومواجهات طائفية في منطقة غرداية".
وليست هذه المرة الاولى التي يثير فيها سلال سخط الشارع، فقد سبق أن وصف الجزائريين بـ"الفقاقير"، وذلك خلال زيارة الى محافظة الوادي جنوب الجزائر في تشرين الأول/ اكتوبر من العام الماضي، وفهم الجزائريون انه يقصد انهم "فقراء" بصيغة التهكم. لكن سلال نفى ذلك لاحقا وقال انه "فُهم خطأ".
وقال مصدر حكومي لـ"عربي21" انه تحادث مع سلال بخصوص زلات لسانه، وإنه لا يعقل ان يسقط مسؤول حكومي في مثل هذه السقطات، لكن مدير حملة بوتفليقة رد عليه قائلا: "انا هكذا لا استطيع أن أتغير ولا احد يستطيع ان يغير في شيئا".
وقال الباحث في الشؤون السياسية محمد دخوش لـ"عربي21" إن التصريحات الأخيرة والتي انطوت على زلات لسان كارثية لعدد من كبار المسؤولين على غرار الوزير الاول عبد المالك سلال والوزير عمارة بن يونس وقبلهما خليدة تومي، هي مؤشر واضح على تدني مستوى الخطاب السياسي لرموز الحكم في البلاد". وتابع: "كما يؤشر على مدى ابتعادهم عن أهلية تولي المناصب السياسية العليا، وهم يعيشون حالة متقدمة من الانفصال عن الواقع الاجتماعي والثقافي للشعب الجزائري الذي يحكمونه ومن المفترض انهم يمثلونه".
ويرى دخوش ان "ما يلاحظ بشدة في الآونة الاخيرة هو ان كل المحسوبين على العهدة الرابعة يسوقون لخطاب سياسي منفر واستفزازي وإقصائي ومثير للنعرات الجهوية، رغم أن البلاد تعيش ظروفا حرجة وتحديات داخلية وخارجية، وهذا خطاب لا يساعد على بث السكينة العامة ونشر السلم بل يساهم في توسيع الفجوة بين القمة والقاعدة، وهو امر يهدد الوحدة الوطنية".
كما يعتقد دخوش ان "تسويق خطاب سياسي قائم على الشتم والإهانة والاستخفاف بمشاعر الجزائريين يعكس نوعية آليات تجنيد النخب واختيار الأفراد للمناصب الرفيعة القائمة في بلادنا على معطى الولاء والطاعة وليس على الكفاءة والاستحقاق، حيث يفترض أن كل من يتولى منصبا سياسيا ساميا يمثل فيه الدولة أن يتوفر على قدر من الحنكة السياسية، وأن يتحمل تبعات مسؤوليته ويكون رجل دولة لا رجل سلطة".