صدرت الثلاثاء أحكام بالسجن راوحت بين ثلاثه أشهر و18 شهرا بتهمة "التجمهر على الطريق العام" بحق عشرة أشخاص أوقفوا إثر المواجهات التي شهدتها مدينه
غرداية في جنوب
الجزائر، وفق ما أفادت وكالة الأنباء الجزائرية.
وفي 11 آذار/ مارس، اندلعت مواجهات بين
العرب المالكية والميزابيين الإباضيين في هذه المدينه التي تبعد 600 كلم عن الجزائر جنوبا، وأسفرت عن ثلاثة قتلى ونحو مئتي جريح.
وأصدرت المحكمة الجزائرية بغرداية أحكاما، على خمسة أشخاص آخرين ضالعين في هذه الأحداث بعقوبات بالسجن تتراوح بين الثلاثة أشهر والعام مع وقف التنفيذ، فيما أطلقت سراح ثلاثه شبان، وفق الوكالة.
ونقلت الوكالة عن مصادر قضائية أنه "تم اعتقال 18 شخصا من قبل مصالح الأمن عقب تجدد المناوشات بين مجموعات من شباب غرداية منذ الأربعاء الماضي حيث ما زال التحقيق متواصلا لتحديد المسؤولين عن تصعيد هذه الأحداث".
وكان وزير الداخلية الجزائري الطيب بلعيز وعد الأحد خلال زيارته غرداية، بالتحقيق لكشف هوية من يقفون وراء مقتل ثلاثه شبان.
مواجهات مذهبية تشل الحياة في غرداية الجزائر
وتكاد تكون مدينة غرداية في الجنوب الجزائري، بلا حياة لأن قلبها النابض متوقف منذ ثلاثة أشهر، وهو سوقها التاريخي الذي كان مسرحا لمواجهات مذهبية بين العرب السنة المالكيين والميزابيين الإباضيين.
وسوق غرداية الذي يعد معلما سياحيا ويعود تاريخه إلى مئات السنين، بدا خاليا خلال اليومين الماضيين من أي حركة تجارية بعدما كان ينبض بالحياة قبل اندلاع الأحداث الأولى في كانون أول/ ديسمبر الماضي.
أغلب محلات العرب وهي ليست كثيرة في سوق يسيطر عليه الميزابيون، تعرضت للحرق.
وكانت النيران ما زالت مشتعلة حتى مساء الأحد الماضي، ما استدعى تدخل الحماية المدنية لإخمادها.
أشهر محل تعرض للتخريب "متجر الرحالة" الذي لم يتوقف عن العمل منذ 1950، وقد تحول إلى حطام، كما صرح مالكه الحاج مبروك زهواني.
وقال: "لم أغلق محلي إلا عندما تشتعل الأحداث وبمجرد أن تهدأ أعود إلى فتحه. لكني هذه المرة فقدت المحل بما فيه".
وأوضح أن زبائنه يقصدونه من كل المناطق الجنوبية الصحراوية للبلاد.
فتجارته متنوعة، يبيع كل ما تيسر من الأواني المنزلية إلى الألبسة والأحذية، وهي حال أغلب تجار السوق.
أما صهره ويدعى الصديق، وهو موظف في الحماية المدنية، فاستغل وجود الدرك الوطني في المكان ليقف على الخسائر التي لحقت بمصدر رزق العائلة.
وأكد أن هذا المتجر من أقدم المحلات في المدينة وموقعه يجعل منه أهم محل في سوق غرداية، وقيمته تفوق 50 مليون دينار (نحو 500 ألف يورو).
وفي الشارع الرئيس وسط المدينة، "شارع أول نوفمبر"، حيث الأغلبية العربية، كل المحلات مغلقة سواء كان أصحابها من المالكيين أو الإباضيين.
"بنو ميزاب لا يسكنون وسط المدينة، لكنهم يمارسون التجارة هنا فقط"، كما أكد موسى الموظف في البريد، وهو في الثلاثينيات من العمر.
ويمكن بكل سهولة التعرف على محلات "بني ميزاب"، فمنها ما تعرض للحرق وما بقي منها سليما بفضل الوجود الكبير لقوات الشرطة، كتبت عليه عبارة "ارحل" أو "هذا محل ميزابي".
وحتى بعض المقاهي التي فتحت أبوابها الاثنين الماضي لا تبيع إلا الشاي لأن مخزون القهوة نفد بعد عدة أسابيع من إغلاق محلات الجملة في سوق غرداية، بينما أكد مالك مقهى أن لديه مخزونا لأسبوع واحد فقط من القهوة.
وأكد أحد ضباط الشرطة المتمركزين في "شارع أول نوفمبر" أنه يعمل هنا منذ 30 سنة، ويستطيع أن يجزم أن غرداية لا يمكن أن تستمر بلا تجارة.
حتى إن ازدهار السياحة ناجم عن ازدهار التجارة لأن الناس يقصدون السوق لشراء زرابي غرداية وحلي غرداية، أما المعالم السياحية بالمدينة المصنفة في سجل التراث العالمي لليونيسكو فما كانت لتبقى لولا استقرار السكان فيها بفضل التجارة.
الطرف الثالث متهم بافتعال الأزمات بين العرب والميزابيين الإباضيين
ويقول أستاذ الحقوق في جامعة غرداية صالح الشيخ، وهو ميزابي، إن الأحداث أكبر من غرداية، وهناك طرف ثالث يحركها.
والطرف الثالث بالنسبة له هي "الجماعات الإجرامية" التي يشتكي منها الميزابيون كما العرب.
وهي التي تسببت في غلق المحلات وشل النشاط التجاري في المدينة بسبب كثرة الاعتداءات.
وقال: "نحن نشهد منذ عام كثرة الإجرام لدرجة مقلقة، مثل سرقة المحلات التجارية والدراجات النارية (500 دراجة نارية سرقت خلال 2013) وانتشار المخدرات مع أن هذه المنطقة معروفة بأنها محافظة جدا".
وأوضح أن غرداية كانت "مركز عبور للمخدرات فتحولت إلى مركز استهلاك".
لكن بالنسبة للعرب، فإن الحديث عن المخدرات "مفتعل" لأن المخدرات "موجودة في كل مدن الجزائر فلماذا لم يحدث فيها ما يحدث في غرداية؟".
وقال موسى موظف البريد إن "إلصاق التهم بأن المدمنين على المخدرات هم من يخربون المدينة غير صحيح. فالمخدرات موجودة في المدن الكبرى وخاصة المدن الحدودية أكثر من هنا فلماذا لم تشتعل هذه المدن؟".
وقال علي، الخمسيني سائق حافلة لنقل المسافرين: "لقد تركنا لهم التجارة لعقود ورحنا نعمل في الإدارات أو النقل كما هو حالي، ولما قرر بعضنا ولوج التجارة انزعجوا منا".
علي كان يجهز نفسه ليل الأحد الاثنين لقضاء ليلة في حراسة حافلته وسيارات وشاحنات جيرانه في موقف للسيارات في حي مرماد.
وحي مرماد هو الذي يقطن فيه الأشخاص الثلاثة الذين قتلوا مساء السبت في حي الحاج مسعود عندما اندلعت مواجهات بين العرب والميزابيين فسقط القتلى إبراهيم مطهري وعز الدين بن طالب ومحمد بكاي.
وبذلك بلغ عدد القتلى منذ اندلاع الأحداث قبل نحو ثلاثة أشهر ثمانية إضافة إلى مئات الجرحى.
ليل الأحد الاثنين بدا هادئا في غرداية سوى بعض المناوشات المتفرقة تعرض خلالها شرطي في "شارع أول نوفمبر" للرشق بحجر أصاب ظهره ونقل إلى مستشفى المدينة وحالته ليست في خطر، بحسب مصدر في الشرطة.
لكن حالة التوتر ارتفعت إلى درجة أن أعيان الشعانبة العرب رفضوا الاجتماع مع أعيان الميزابيين في حضور رئيس الوزراء ووزير الداخلية الأحد.
وقال رئيس مجلس مؤسسات الشعانبة: "الظرف لا يسمح في الوقت الحالي بالاجتماع فلقد فقدنا ثلاثة شهداء".
وغرداية هي عصب التجارة بالنسبة لكل جنوب البلاد الصحراوي، وتجار المدن الجنوبية أصبحوا لا يتنقلون إلى الشمال، حيث الموانئ الكبيرة التي تدخل منها كل السلع المستوردة ويتزودون من غرداية بوابة الصحراء الجزائرية.