يبدو الجنوب
الجزائري "أرضا بورا" أمام الرئيس عبد العزيز
بوتفليقة الذي يسعى نحو الفوز بولاية رابعة في الاستحقاق الانتخابي المقرر الشهر المقبل؛ حيث يواجه صعوبات جمة في بذر وعوده الانتخابية بها وحصد تأييد الناخبين هناك، خاصة في ظل حالة الغضب التي تشهدها بعض مناطقها على خلفية مواجهات مذهبية واشتباكات حدودية واحتجاجات للعاطلين.
لكن مناطق الجنوب ذاتها، التي تضم ثمانية محافظات أو ولايات وهي الوادي، ورقلة، غرداية، أدرار، تمنراست، اليزي، بشار، تيندوف، تطرح نفسها كـ "أرض خصبة" أمام منافسي بوتفليقه، الذين يسعون إلى استغلال حالة السخط السائدة بين سكان بعض مناطقها في حصد أصواتهم، بدلا من مقاطعة هذه
الانتخابات المرتقبة في 17 نيسان/ أبريل 2014.
ورغم الاهتمام الواضح الذي أبداه عبد الملك سلال، مدير الحملة الانتخابية لبوتفليقة، بالجنوب الجزائري، والذي ظهر من استهلاله تجمعاته الشعبية من مدينة أدرار في الجنوب، لا يزال الجنوب الجزائري، بعد مرور أسبوع على بدء الحملة الانتخابية، غير متفاعل معها، وذلك على نحو لم يشهده من قبل.
بن عالم محمد، وهو مختص في علم الاجتماع، فسر تراجع الاهتمام بالانتخابات الرئاسية في الجنوب الجزائري بـ "الوضع الأمني والاجتماعي المتردي الذي تعيشه مناطق الجنوب".
وأوضح أن ثلاثة مناطق رئيسة في الجنوب الجزائري تشهد "وضعا مضطربا"؛ فمنطقة برج باجي مختار، قرب الحدود مع مالي، شهدت في آب/ أغسطس الماضي أعمال عنف قبلية بين قبيلة عربية وأخرى من الطوارق.
كما "تعاني مناطق اليزي وتمنراست من وضع أمني مضطرب بسبب الحرب الدائرة في شمال مالي والاضطرابات الأمنية في دولة ليبيا المجاورة".
كذلك، تواجه السلطات الجزائرية في الجنوب صعوبة في التحكم في الوضع الأمني حيث تمتد الحدود المضطربة للجزائر مع كل من ليبيا، التي تشهد انفلاتا أمنيا، وفي مالي، التي تشهد حربا منذ بداية عام 2012.
وفي محاولة لضبط هذا الوضع، رفعت السلطات الجزائرية درجة التأهب الأمني وسط 100 ألف من جنودها وقواتها على الحدود من أجل منع عمليات تسلسل المسحلين وتهريب الأسلحة من مالي وليبيا، حسب مصدر أمني، طلب عدم الكشف عن هويته.
وأضاف غرق مدينة غرداية، ثاني أهم مدن الجنوب الجزائري، في دوامة من العنف الطائفي بين العرب والأمازيغ الإباضيين، أضاف متاعب جديدة لحملة بوتفليقة في الجنوب.
وأوقع هذا العنف الطائفي، الذي بدأ في 22 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، 8 قتلى، فضلا عن تخريب 706 مساكن ومحلات تجارية.
ويتهم عدد كبير من ضحايا أعمال العنف هذه السلطات "بالتقصير في التكفل بالضحايا وحمايتهم من أعمال العنف وعمليات التخريب".
وحول ذلك، قال سينو جمال، أحد ممثلي الأسر التي تم تخريب بيوتها في مدينة غرداية، "لا يمكن أن يمنح سكان مدينة غرداية أصواتهم لأي من المرشحين إلا بعد أن يتم التكفل بهم وتعويضهم عن الخسائر التي تكبدوها أثناء عمليات التخريب التي تواصلت 4 أشهر".
والمذهب الإباضي هو أحد المذاهب الإسلامية المنفصلة عن السنة والشيعة، نسبة إلى عبد الله بن إباض التميمي، وينتشر في سلطنة عُمان وشمال أفريقيا.
وبدأت أعمال العنف في غرداية إثر احتجاج شنه مواطنون محرومون من السكن من العرب خربوا خلاله محلا تجاريا يملكه تاجر إباضي، لتدخل المدينة بعدها في دوامة العنف.
الاحتجاجات ضد البطالة في الجنوب تشكل أيضا تحديا أمام بوتفليقة في كسب أصوات الناخبين في هذه المنطقة.
وأفسد العشرات من العاطلين عن العمل، الخميس، تجمعا شعبيا لبوتفليقة نظمه سلال في مدينة ورقلة، كبرى مدن الجنوب، في رسالة أكد من خلالها العاطلون عن العمل في الجنوب الجزائري أنهم ضد التمديد لعهدة انتخابية جديدة للرئيس الجزائري.
وفي السياق، تتمسك "اللجنة الوطنية للدفاع عن حقوق البطالين" أي العاطلين، التي تمتلك قاعدة شعبية كبرى وسط العاطلين في الجنوب الجزائري، بخيار مقاطعة الانتخابات الرئاسية.
وتتهم اللجنة السلطات الجزائرية بـ"عدم الوفاء بتعهدات قديمة بتوفير الشغل والكرامة للعاطلين عن العمل في الجنوب".
وحول ذلك، قال فنوت عبد الجبار، وهو عضو قيادي في اللجنة، إن "السلطات خاصة حكومة رئيس الوزراء السابق عبد المالك سلال، الذي يدير الحملة الانتخابية للمرشح عبد العزيز بوتفليقة وهو الرئيس الحالي تتلاعب بالعاطلين عن العمل وتحاول القضاء على حركتهم المطلبية".
وكانت حكومة سلال السابقة اتهمت بممارسة "ضغوط كبيرة على الحركة بلغت حد ملاحقة أكثر من 100 من أعضاء الحركة أمام المحاكم بتهم الاخلال بالنظام العام والتحريض على العنف"، لافتا إلى أنهم لهذه الأسباب يتمسكون بـ"خيار المقاطعة".
وأضاف: "سنذهب بعيدا في خيارنا لمنع استغلال أصوات سكان الجنوب الجزائري".
بدوره، قال القيادي البارز في الحركة، عبد السلام حمدان، "قررنا عدم المشاركة في الانتخابات الرئاسية ومقاطعتها لإرسال رسالة للنظام أنه سيدفع ثمن أي خطأ مع العاطلين عن العمل في الجنوب".
وقال السيد مشري عبد الرحمن، وهو عضو في الحركة "إننا نتحكم في أكثر من نصف الشباب في الجنوب الجزائري".
هذه المقاطعة تمثل تحديا صعبا أمام مسؤولي الحملة الانتخابية لبوتفليقة الذين يسعون إلى إقناع الناخبين بالعدول عنها.
وحول ذلك، زعم مزازي نور الدين، وهو أحد مسؤولي لجان مساندة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في ولاية أدرار، بأنهم حققوا "الكثير من النجاح في مسار إقناع الناخبين بالمشاركة في الانتخابات الرئاسية أولا، ثم تقديم أصواتهم للمرشح الذي جلب السلم والوئام للجزائر وهو عبد العزيز بوتفليقة"، على حد قوله.
وأضاف نور الدين أن "الجنوب يصوت دائما لصالح الرئيس بوتفليقة، وسنثبت أن مرشحنا هو الأكثر شعبية في الجزائر".
منافسو بوتفليقة في المقابل يسعون من جانبهم إلى استغلال حالة السخط الشعبي في بعض مناطق الجنوب لصالحهم.
وفي هذا الصدد، قال عمراني قدور، أحد أعضاء لجان مساندة المرشح علي بن فليس، وهو أبرز منافسي بوتفليقة في الانتخابات الرئاسية، "نركز في حملتنا على إبراز الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها السلطات في مواجهة العنف الطائفي في غرداية، ونسعى لتأكيد أن سبب الوضع الحالي في غرداية هو الدور السلبي للسلطات".
واعترف قدور بأن "أعمال العنف في غرداية ستؤثر على الإقبال الشعبي على صناديق الاقتراع يوم 17 نيسان/ إبريل القادم".
وانطلقت الأحد الماضي الحملة الدعائية لانتخابات الرئاسة المقررة يوم 17 نيسان/ إبريل وستستمر ثلاثة أسابيع إلى غاية 13 نيسان/ إبريل القادم، حسب وزارة الداخلية.
ويواجه مرشحو الرئاسة أنفسهم صعوبات في تنظيم تجمعات شعبية كبيرة في مناطق الجنوب بسبب مخاوف من اندلاع العنف.
جدير بالذكر أن السباق الرئاسي في الجزائر، تصحبه دعوات للمقاطعة واحتجاجات في الشارع لنشطاء ومعارضين للنظام الحاكم يطالبون بإلغاء الانتخابات المحسومة سلفا، حسبهم، لصالح بوتفليقة.