نشر مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي "CFR" تقريرا للباحث في شؤون الشرق الأوسط، ستيفن كوك، عن الوضع
الاقتصادي المتأزم في
مصر، تحت عنوان "أزمة الملاءة المالية في مصر"، جاء فيه أن الاقتصاد المصري يواجه أزمة طاحنة بعد انقلاب تموز/ يوليو الماضي، ولكن هذه الأزمة لا تلقى اهتماما كافيا بسبب تدفق المساعدات المالية من السعودية والإمارات والكويت.
ويوضح التقرير أن مصر الآن تعاني من أزمة اقتصادية عميقة، مشيرا إلى تراجع احتياطيات النقد الأجنبي في البلاد إلى أقل من نصف ما كانت عليه قبل ثورة كانون الثاني/ يناير 2011، ما يهدد قدرة مصر على دفع ثمن الغذاء والوقود، كما أن عجز الموازنة في مصر بلغ 14% من الناتج المحلي الإجمالي، وبلغ دينها العام (الذي هو نتيجة العجز المتراكم) أكثر من الناتج الاقتصادي للبلاد.
ويضيف التقرير أنه في هذا المناخ الاقتصادي الصعب يعيش أكثر من 45% من المصريين على أقل من دولارين يوميا، وبلغ التضخم بعد الانقلاب نسبة 12.97% ووصل الآن إلى 11.4 في المئة%.
كما أن السياحة (مصدر رئيسي للدخل القومي) وصلت إلى أقل من نصف ما كانت عليه في العام السابق للثورة.
وقد جف الاستثمار الأجنبي المباشر باستثناء قطاع الطاقة. ولاتزال البطالة مرتفعة بنسبة 13.4%.
وبحسب التقرير فإن هذا الضعف الاقتصادي سيجعل من الصعب سياسيا معالجة أسباب العجز عن سداد الديون ما يسهم في أزمة الملاءة المحتملة (عجز الدولة عن سداد ديونها)، لأن الإصلاحات اللازمة ستكون شاقة على المصريين الذين يواجهون بالفعل أزمة اقتصادية.
ويرى كاتب التقرير أنه على الرغم من المساعدات المالية من دول الخليج إلا أن الاقتصاد المصري لازال هشا، ولازالت أزمة الملاءة المالية تلوح في الأفق.
ويوضح أن استمرار الاحتجاجات السياسية والعنف وعدم الاستقرار السياسي (حتى إذا تمت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية)، بالإضافة إلى مزيج من السياسات الاقتصادية غير المتماسكة، كلها تنذر باستمرار التدهور الاقتصادي، وهو ما سيؤدي بدوره إلى حلقة مفرغة من عدم الاستقرار السياسي والعنف والتدهور الاقتصادي، وبالتالي زيادة فرص وقوع كارثة اقتصادية وسياسية وزيادة التظاهرات والقمع والصراع السياسي وربما تفكك الدولة.
ويرى الكاتب أن الصورة العامة للاقتصاد المصري "تبعث على القلق الشديد". فالاحتياطي النقدي الأجنبي يتراوح بين 16 و17 مليار دولار ليست كلها سائلة، ما يعني بالنسبة للكاتب أن مصر بالكاد تقف فوق عتبة الحد الأدنى للاحتياطي الأجنبي وهو 15 مليار دولار، وهو المبلغ المطلوب لتغطية تكاليف الغذاء والوقود لمدة ثلاثة أشهر تقريبا.
ويضيف الكاتب أن إعلان البنك المركزي المصري خفض أسعار الفائدة دون سابق إنذار في أواخر عام 2013 كجزء من جهد لتحفيز الاستثمار المحلي يبدو من الناحية الاقتصادية جيدا، ولكن هذه الخطوة أيضا ربما تزيد من التضخم، حيث ستضغط على العملة والاحتياطيات الأجنبية وكذلك على المستهلك المصري.
ويشير التقرير إلى أن الدين الحكومي بلغ 89.2% من الناتج المحلي الإجمالي، والدين العام أكثر من 100% من الناتج المحلي الإجمالي.
ويؤكد أنه من المهم ملاحظة أن الدين القومي والعجز المالي هي إشكالية خاصة بالنسبة لمصر بسبب تصنيف ديونها (على الرغم من أنه تمت ترقيتها مؤخرا من CCC + إلى B- ) خلافا للولايات المتحدة، وألمانيا، وكندا، فكل منها لديه مستويات عالية من الديون، و لكنه من المكلف بالنسبة لمصر تمويل عجزها وديونها من خلال الاقتراض.
ونتيجة لذلك، مولت مصر عجزها من خلال الاقتراض المحلي من بنوك القطاع العام والبنك المركزي، وفق الكاتب.
ويرى الباحث أن المساعدات المالية الخليجية لم تقدم لمصر سوى الحد الأدنى من الإغاثة، فعلى سبيل المثال لازالت هناك فجوة سنوية تقدر بـ 10 مليار دولار في تمويل العجز الحكومي.
ويؤكد أن ضخ الأموال من قبل المانحين الأجانب لن يحل المشاكل الاقتصادية بمصر لسببين؛ أولهما: تمويل الانفاق الجديد من خلال المنح المقدمة من دول الخليج هو مجرد إرجاء للمشاكل المالية إلى المستقبل القريب.
وثاني هذه الأسباب أن الحصول على المزيد من الدعم ما هو إلا غطاء للسياسات الاقتصادية المتضاربة وغير العقلانية، "فهذه السياسات هي السبب الرئيسي لإهدار الحكومة لما يتراوح بين مليار ومليار ونصف دولار شهريا لسداد الاحتياجات الرئيسية ومحاولة الحفاظ على العملة".
ومع ذلك، فإن حالة عدم اليقين السياسي السائدة في مصر تجعل من الصعب على الحكومة إجراء إصلاحات ذات مغزى. فجمود نظام الدعم في مصر، على سبيل المثال، هو عنصر حاسم من شبكة الأمان الاجتماعي المصري ووسيلة هامة للسيطرة السياسية. وإجراء تغييرات جوهرية في نظام الدعم يهدد بمظاهرات حاشدة مشابهة لمظاهرات الخبز عام 1977، والتي اندلعت بعد أن اقترح أنور السادات تعديلات على دعم المواد الغذائية بما يتفق مع التوصيات الصادرة عن صندوق النقد الدولي.
ويحذر التقرير من مخاطر وصول مصر إلى حالة العجز الكلي عن سداد الديون، حيث سيهدد ذلك المصالح الأمريكية في مصر كما سيهدد أمن المواطنين الأمريكيين في مصر والتواجد العسكري الأمريكي في الخليج العربي.
وعلاوة على ذلك يرى الكاتب أن الانهيار الاقتصادي في مصر سوف يهدد أمن اسرائيل حيث أصبحت سيناء نقطة انطلاق للهجمات على إسرائيل. فإذا أدت أي من هذه الهجمات إلى مقتل أو جرح عدد كبير من الاسرائيليين سوف تضطر إسرائيل للرد وربما تخرق اتفاقية السلام.
ويطرح التقرير بعض التوصيات للإدارة الأمريكية كي تنقذ الاقتصاد المصري من الانهيار، ويتلخص ذلك في أهمية أن تقوم الولايات المتحدة بتخفيف الدين المصري وحث الحكومة المصرية على سداد الدين المحلي من خلال المساعدات الأجنبية، ودعم الحكومة المنبثقة عن الانتخابات المقبلة حتى إذا كانت من العسكر، وتشكيل مجموعة دولية من الدول الغنية لمساعدة مصر ماليا. كما دعى التقرير إلى استعادة المساعدات الغذائية لمصر والتي توقفت منذ عام 1992.
ويختم التقرير بالقول أن مصر مقدمة بشكل خطير على تعسر كامل عن سداد ديونها بالرغم من المساعدات الخليجية. وبالتالي يجب على الولايات المتحدة وحلفائها في الخليج وأوروبا وآسيا أن يكونوا على استعداد لمنع حدوث انهيار اقتصادي أو التخفيف من حدته.