كتب د. محمد العسومي: أثناء دراستنا الجامعية أخبرنا بروفيسور الجغرافيا
الاقتصادية أن الأردن يسبح فوق بحيرة من
النفط الصخري، لم يكن ذلك مستوعباً قبل أكثر من ثلاثين عاماً، مما أثار فضولنا لنسأله إعطاءنا المزيد من التفصيل، حيث شرح لنا فيما بعد قائلًا، إن هذا النوع من النفط موجود بين الصخور وقد استنتجت ذلك من خلال دراسة الصور والتركيبات الخاصة بالصخور الموجودة هناك.
أستاذنا هذا ينتمي إلى دولة عظمى، وبالتالي يستند في تحليله على بيانات الأقمار الصناعية إلى جانب تحليلاته، كأستأذ جامعي متخصص، استرجعت كل ذلك مؤخراً عندما تواردت البيانات التي تشير وبصورة مؤكدة إلى أن الصخور الزيتية في الأردن تحتوي على 40 مليار طن من النفط تكفي لمئات السنين، حيث أبدت السعودية رغبتها في الاستثمار في عمليات الإنتاج.
وإذا تمت عمليات استخراج النفط من الصخور هناك بصورة تجارية، خصوصاً وأن أسعار النفط المرتفعة تبرر الجدوى الاقتصادية لإنتاج النفط عالي التكاليف، فإن تداعيات مهمة سيترتب عليها هذا التطور في صناعة الطاقة في المنطقة، علماً بأن هناك عمليات استكشاف قريبة جغرافياً تؤكد مثل هذه البيانات، إذ اكتشفت كميات هائلة من الغاز في كل من فلسطين المحتلة ولبنان وقبرص، وذلك إضافة إلى سوريا. فمن جهة يحتاج الأردن إلى موارد إضافية لتمويل مشاريعه التنموية التي تعتمد حالياً على المساعدات الخارجية، وبالأخص من دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ومن جهة أخرى يمكن لدخول بلد جديد سوق النفط في المنطقة أن يغير العديد من موازين القوى الاقتصادية والاستراتيجية، مما سيترتب عليه تداعيات على مختلف البلدان.
وفي إشارة إلى بعض تداعيات هذه التطورات في مجال الطاقة، أشار صندوق النقد الدولي في تقريره الذي صدر مؤخراً حول «النظرة المستقبلية للاقتصاد العالمي» بقوله «إن الارتفاع المتزايد في إنتاج النفط الصخري، وبالأخص في الولايات المتحدة والانخفاض المتوقع في الطلب العالمي يشكل أخطاراً محتملة على الإنتاج النفطي في البلدان الأعضاء في منظمة الأوبك وعلى الأسعار»، إلا أن هذه التأثيرات ستتفاوت بين بلد وآخر من البلدان الأعضاء في المنظمة.
وإذا أخذنا دول مجلس التعاون الخليجي، فإنها تمكنت في السنوات الماضية من بناء احتياطيات مالية كبيرة ستمكنها من مواجهة أية صعوبات أو صدمات ناجمة عن انخفاض الأسعار في حالة زيادة الإنتاج وانخفاض الطلب العالمي، وبالتالي أسعار النفط في الأسواق الدولية.
وفي الوقت نفسه ستواجه بلدان أخرى، كنيجيريا وإيران والعراق والجزائر صعوبات بالغة في التأقلم مع انخفاض عائداتها من النفط، وذلك بسبب حجم الإنفاق الكبير على قطاعات غير إنتاجية والفساد وتفويت فرصة بناء احتياطات مالية في فترة السنوات الثمان الماضية والتي شهدت ارتفاعات قياسية في أسعار النفط.
ومع أنه من غير المتوقع أن تنحدر الأسعار إلى ما دون 80 دولاراً للبرميل بسبب التكلفة العالية لإنتاج النفط، سواء الصخري المنتج في الولايات المتحدة أو المستخرج من الصخور في الأردن، إلا أن معدلات الإنفاق في البلدان المنتجة للنفط تضاعفت في السنوات الأخيرة لتبلغ مستويات قياسية أضحى من الصعب تقليصها لارتباطها بمشاريع تنموية كبيرة وبمستويات الرواتب والأجور، وبالأخص في القطاع العام.
من جهة أخرى، فإن استخراج النفط من الصخور بحاجة لاستثمارات كبيرة لا تملكها الكثير من البلدان، بما فيها الأردن، إلا أن علاقات الأردن المتميزة والتاريخية مع دول مجلس التعاون الخليجي ستوفر له مصادر تمويل مهمة للشروع في عملية الإنتاج، حيث بدأت عمليات التمويل هذه تأخذ طابعاً عملياً، كما أشرنا إلى ذلك آنفاً.
هذا جزء من الصورة المعقدة في صناعة الطاقة، والتي ستشهد تغيرات سريعة، ستتراجع فيها حصص بعض الدول وستبرز دول أخرى سيكون لها شأن في تحديد مسارات أسواق الطاقة في العالم، وهو ما يفسر بعض الصراعات الدولية الجارية حالياً، بما فيها الصراع في أوكرانيا الغنية بالغاز الصخري.
(عن الاتحاد الإماراتية)