يثير التدخل
العسكري في الحياة السياسية بالوطن العربي جدلاً كبيراً، نظرا لتخطيه حدود وظيفته، وتغوله على الحياة العامة للمدنين، الأمر الذي لا يسمح ببروز دولة متطورة بمؤسسات تشريعية وتنفيذية تكون نتاج صناديق الاقتراع.
ابتلاء العالم العربي بحكم العسكر بدأ مبكرا بانقلاب حسني الزعيم (1949) في سوريا، وهو الانقلاب الذي شرع للتدخل العسكري في شؤون
السياسة والحكم.
تلا انقلاب الزعيم، أحد عشر انقلابا في
الوطن العربي على الملكيات والأنظمة الديمقراطية، كان آخرها الإطاحة بأول رئيس مدني منتخب للشعب المصري في العام 2013، بقيادة الفريق عبد الفتاح السيسي.
"تختلف أنماط ودوافع التدخل العسكري" يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة اليرموك، الدكتور وليد عبد الحي. ويضيف لـ"عربي 21": "في بعض الحالات كالجزائر التي تحررت من خلال ثورة عسكرية، بُني المجتمع تحت ظل مؤسسة جبهة التحرير، التي قادت النضال، وبمجرد دحر المحتل اعتبرت نفسها وصية على الشعب، واستولى القادة العسكريون على جميع القطاعات".
أما في مصر "فالمطمع الاقتصادي كان العامل الأبرز لسيطرة العسكر على السلطة"، بحسب الخبير العسكري فايز الدويري.
ويتفق معه عبد الحي، مؤكداً أن 37% من الاقتصاد المصري بيد العسكر، الذي جعله "يتخوف من اقتراب السلطة المدنية له، ومحاولة فرضها الرقابة عليه، ما دفع المجلس العسكري إلى قيادة انقلاب 2013".
ويضيف عبد الحي: "ساد نمط في العالم الثالث وهو أن الجيش يمكنه القيام بدور التنمية، بسبب الفراغ المؤسسي في المجتمع المدني، الأمر الذي جعل المؤسسة العسكرية (الوحيدة المنظمة) تستغل الوضع وتقود الدفة".
مالذي يدعو الشعب للقبول بحكمهم؟!
يقول الخبير العسكري والاستراتيجي فايز الدويري لـ" عربي 21": "إن الوظيفة الأساسية للجيش هي حماية البلاد وأمنه، وهذه النقطة هي التي يلعب عليها الجيش بإشعار المجتمع بأنه في خطر ولا أمان له إلا بحكمهم".
ويلفت الدويري إلى أن الخوف الذي يزرعونه من الانفلات الأمني بالمجتمع، هو الضامن الأساسي ليثبت العسكر سلطتهم.
ويؤكد عبد الحي ذلك، كما يشير إلى أن: "ضعف الطبقة السياسة، وانتشار النمط القبلي، وحكم غلبة الإنتاج الزراعي في المجتمع يهيئ الظروف لهم".
ويرى عبد الحي أن "الفرق بين دول العالم الثالث التي يسيطر فيها العسكر، ودول أوروبا، هو وجود مجتمع مدني مترابط يسعى إلى تطور المجتمع ولا يقبل وصاية أحد عليه".
نموذج عسكري ناجح ..
ويعتبر نموذج المشير عبد الفتاح سوار الذهب في السودان هو النموذج الناجح والذي خدم السودان في تلك الفترة، بحسب الدويري.
وكان سوار الذهب استلم مقاليد السلطة بعد انقلاب عسكري في السودان، وتقلد رئاسة المجلس الانتقالي إلى حين قيام حكومة منتخبة وارتقى لرتبة المشير فورا.
وسلم سوار الذهب مقاليد السلطة للحكومة الجديدة المنتخبة برئاسة رئيس وزرائها الصادق المهدي، بعد عام واحد فقط، وبعدها اعتزل العمل السياسي ليتفرغ لأعمال الدعوة الإسلامية من خلال منظمة الدعوة الإسلامية كأمين عام لمجلس الأمناء.
وأكد الدويري أن العسكر لا يصلحون للسياسة إذا انتقلوا إليها مباشرة، مطالباً أي عسكري بتأهيل نفسه من خلال الانضمام لحزب ليقدمه كمرشح سياسي.