كتب سمير صالحة: توصيات المجلس التنفيذي لحزب العدالة والتنمية الأخيرة كرست مرة أخرى فكرة أن قواعد الحزب غير متحمسة كثيرا للتمديد للرئيس التركي عبد الله غل الذي تنتهي ولايته في أواخر الصيف المقبل رغم إعلانه أن النتيجة ليست مضمونة في جيب أحد وأنهم يفضلون رؤية رجب طيب إردوغان في قصر الرئاسة، وهذا ما سيكرره معظم نواب الحزب في اجتماعهم هذا الأسبوع في مدينة أفيون التركية وما كرسه استطلاع جديد للرأي قامت به إحدى المؤسسات على شريحة تشمل 2500 مواطن تركي بمختلف الأعمار والانتماءات، فظهر احتمال فوز إردوغان من الدورة الأولى ورجوح كفته بفارق كبير على غل في حال قرر اختبار شعبيته والدخول في منافسة مع إردوغان على مقعد الرئاسة.
المنظر السياسي التركي اليوم يقول:
إن أنصار العدالة والتنمية يريدون إردوغان رئيسا بصلاحيات واسعة وربما نظام شبه رئاسي، ويرون أن إردوغان هو سيد اللعبة الذي سيحدد مسارها على خطين متوازيين.. مصير الانتخابات الرئاسية التركية ومستقبل المعادلات والترتيبات الداخلية في الحزب وإن القرار بات شبه محسوم لكن الإعلان عنها سيجري إرجاؤه ريثما تستوي الطبخة وتصبح جاهزة لوضعها على طاولة الطعام.
وإن حزب العدالة والتنمية يريد إيصال إردوغان إلى قصر «شنقايا» وهذه مسألة باتت معروفة. لكن ما يريده إردوغان نفسه هو الذي يخلط الأوراق ويربك حسابات الكثيرين في الحزب وعلى رأسهم غل نفسه الذي يريد أن يعرف دوره وموقعه في المرحلة المقبلة بعد انتهاء ولايته الرئاسية وهذا من حقه طبعا. ويريد أن يعرف ما الذي يعرضه إردوغان حزبيا وسياسيا عليه أم أنه كما بدا يردد في الكواليس قد يقترح عليه المنافسة على مقعد دولي أو أممي في إحدى المنظمات العالمية باسم تركيا؟
وإن
أزمة إردوغان هي في إقناع الحزب بمنحه الثقة والفرصة في الفترة الزمنية الواقعة بين انتخابات الرئاسة في أغسطس والانتخابات العامة في يونيو العام المقبل وهي عشرة أشهر تقريبا ليحدد على ضوء المعطيات استراتيجية مستقبل الحزب للحقبة المقبلة.
هل سيتم فعلا كما يردد اختيار شخصيتين منفصلتين؛ شخصية حزبية ستتولى مهام رئاسة الوزراء وأخرى تتولى رئاسة الحزب خلال المرحلة الانتقالية هذه ريثما تتضح الصورة؟ من الذي سيكلف بهذه المهام وهل سيقبل هؤلاء أن يكونوا رؤساء مؤتمنين وظرفيين يغادرون ما إن تنتهي مهامهم؟
أزمة الرئيس الظل هي أكثر ما يقلق إردوغان اليوم. وإعلان البحث عن رئيس وزراء لعشرة أشهر فقط الذي يريده هو ما سيغضب الحزب الذي وقف إلى جانبه في خيار الرئاسة لكنه قد يتخلى عنه في سيناريو الرئيس الوصي خصوصا إذا ما اكتشف أن إردوغان غادر الحزب وسط الصراع وحروب القيادة التي ستتركه أمام هزيمة محتملة في الانتخابات العامة المقبلة.
العودة مجددا عن قرار عدم التمديد للقيادات أكثر من ثلاث فترات انتخابية سيبقي «ثعالب السياسة» في الحزب في أماكنهم وبينهم حسين شليك وعلي بابا جان وجميل شيشاك وبن علي يلدرم وبشير أتالاي في أماكنهم دون أن ننسى أسماء كثيرة موجودة أصلا في أماكنها مثل أحمد داود أوغلو ونعمان كورتولموش وهامان فيدان رئيس جهاز الاستخبارات الذي رشح هو الآخر لدخول المعترك السياسي في صفوف العدالة. حروب الأجنحة قد تشتعل بغياب إردوغان وهي قد تقلب حساباته رأسا على عقب، خصوصا أن إردوغان يعرف تماما أن مسألة توسيع صلاحيات رئاسة الجمهورية ولعب ورقة النظام شبه الرئاسي في دستور من هذا النوع ستفقر أزمة دستورية سياسية مع المعارضة والمحكمة الدستورية المتربصة.
احتمال يفرض نفسه وسط هذه العقد وهو أن يطالب إردوغان بطرح موضوع دمج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في آخر لحظة وقبل انتهاء المدة الدستورية والقانونية وهي مسألة لا بد أن تظهر إلى العلن في الأيام القليلة المقبلة أمام تفاعلات ومخاطر الحقبة المقبلة التي تحيط بالعدالة والتنمية.
احتمال آخر لن يستبعد حتى الآن أيضا وهو أن يفاجئنا إردوغان، وهو لاعب كرة قدم ماهر خلال تسديد الكرة نحو المرمى بتوجيهها نحو الزاوية المقابلة تماما بخدعة فنية وأن يتخلى عن كل هذه الفرص والدعم المقدم له شخصيا لصالح حماية مسيرة الحزب وصعوده، فيعيدنا مجددا إلى نقطة الصفر وتغيير النظام الداخلي للحزب فيبقى في مكانه إذا ما شعر أن وجوده في القصر الرئاسي سيدمر كل شيء كما حدث مع تورغوت أوزال وسليمان دميرال في السابق.
كمال كيليشدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري غاضب أمام مشهد انتخابات الرئاسة وهو يردد أن تركيا أكبر من أن تترك قدرها الرئاسي بين يدي غل وإردوغان فقط يقرران مستقبل البلاد بأكمله. لكنه يتجاهل حجم أزمة المعارضة برمتها الذي عكسه آخر استطلاع للرأي يشير إلى أن قواعد اليسار العلماني واليمين القومي على السواء تريد الالتفاف وراء إيلكر باشبوغ قائد الأركان التركي الأسبق وصقر العلمانية الذي سجن لأكثر من عامين بتهم أرغنيكون والانقلاب على الحكومة وأطلق سراحه ليحاكم من الخارج قبل شهر تقريبا وإن أقوى رجالات المعارضة هو دنيز بيقال رئيس حزب الشعب الجمهوري السابق الذي استقال بعد فضيحة الشريط المسرب الذي أظهره مع إحدى مساعداته في وضع مشبوه وبنسبة أصوات لا تزيد على ثمانية في المائة فقط. المعارضة تقتات بما تقدمه لها جماعة غولن من معلومات وتعمل بنصائحها لا أكثر وهذا ما شهدناه في الانتخابات المحلية الأخيرة.
(الشرق الأوسط)