بعد مرور
66 عاما على
النكبة تضاعف عدد اللاجئين
الفلسطينيين المسجلين لدى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" ليصل إلى 5.35 مليون، وتضاعفت معهم التحديات التي تواجههم سواء الاقتصادية أو الاجتماعية والديمغرافية والسياسية، بينما بقيت مساحة
المخيمات كما هي لم تتغير.
وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني يعيش حوالي 29.0% من اللاجئين الفلسطينيين في 58 مخيما تتوزع بواقع عشرة مخيمات في الأردن، وتسعة مخيمات في سوريا، و12 مخيما في لبنان، و19 مخيما في الضفة وثمانية مخيمات في قطاع غزة.
الخبير الاقتصادي الدكتور نائل موسى يرى أن المخيمات في الضفة الغربية وغزة عانت خلال 66 عاما على النكبة من انحدار اقتصادي، تمثل بضعف المؤشرات الاقتصادية القائمة فيها نتيجة مجموعة من العوامل؛ متمثلة في نمط المعيشة وحياة السكان، والعوائد المملوكة لهم، وبالتالي أكثر نسب الفقر والبطالة في المخيمات؛ وذلك لعدم وجود مصادر اقتصادية؛ سواء زراعية أو صناعية أو غير ذلك، كما أن نمط المعيشة وحالة المساكن في وضع متدنٍ.
وأضاف موسى في حديث لـ "عربي21" أن 66 عاما لم تغير شيئا، بل أصبح الوضع من سيء إلى أسوء، مشيرا إلى طبيعة المخيمات التي تم بناؤها في عام 48 بشكل مؤقت؛ أملا في حل قضية اللاجئين، ولكن الحال أن البناء بهذا الشكل استمر لمدة 66 عاما، ما زاد في معاناة الناس، وذلك نتيجة للنمط البناء المؤقت الذي يختلف من مكان لآخر.
وفي ظل هذه الظروف الاقتصادية في المخيمات سعى اللاجئون إلى البحث عن مصدر للمعيشة، ومصادر دخل توفر الحياة الكريمة بحسب موسى.
وأشار إلى أن الإنسان عندما يكون لديه مستوى إعالة منخفض، ومستوى مرتفع من الفقر والبطالة، يكون لديه أولويات في حياته، ولكن حال الكثير من سكان المخيمات أنهم وضعوا تحت نير الانشغال بالمعيشة والحياة مجبرين، فأصبح البحث عن مصدر عيش لهم سواء ما يتعلق بالمأكل والمشرب أو فيما يتعلق في التعليم، إضافة إلى الانشغال في إعادة تأهيل وضعهم المعيشي داخل المخيمات.
ونوه موسى إلى أن المخيمات هي الأكثر فقرا في التجمعات السكانية الفلسطينية، موضحا أن كل سكان المخيمات يعتمدون على مصادر العمل عند الغير، فلا يوجد في المخيمات مصادر اقتصادية مملوكة لأصاحبها، ومثال ذلك عدم توفر مزارع ومؤسسات اقتصادية نتيجة الانحسار الجغرافي للمخيمات، ونتيجة لوقوع معظم سكانها تحت ظروف اقتصادية صعبة ومتدنية. ودلل موسى على ما ذهب إليه بأنّ اللاجئ صاحب الوضع الاقتصادي الجيد يغادر المخيمات إلى أماكن أفضل.
وشدد على أن الاحتلال أوجد ظروفا اقتصادية صعبة في فلسطين زادت من نسب البطالة والفقر، والحجم الأكبر منها كان من نصيب المخيمات.
واعتبر الخبير الاقتصادي أن المخيمات منكوبة اقتصاديا، داعيا إلى وضع برنامج اقتصادي يقوم على شقين أساسين: الأول يقوم على تعزيز حق العودة لدى اللاجئ الفلسطيني، والجانب الآخر بإيجاد برنامج تصحيحي لحياته، وأن يكون لهم نصيب من الإنفاق الحكومي والسياسات الحكومية لتأهيلهم حتى يتمكنوا من الخروج من أزمتهم الاقتصادية التي تتعلق بمستوى الفقر العالي والبطالة، وبالتالي يكون في المخيمات نوع من التمييز التفضيلي عن باقي المناطق في الوطن.
المخيم يتفاعل مع المتغيرات الاجتماعية
المخيمات ليست مجتمعات منعزلة عن محيطها، بل تتفاعل مع المتغيرات المحيطة، تأخذ منها وتضيف إليها، فلم يعد المخيم منغلقا على سكانه، بل هناك تفاعلا اجتماعيا وإنسانيا بينه وبين القرية والمدينة يتمثل بالمصاهرة والعلاقات الاقتصادية والسياسية وغيرها.
أستاذ علم الاجتماع، الدكتور ماهر أبو زنط، يرى أن مخيمات اللاجئين تتأثر بالأجواء الاقتصادية والسياسية الدولية والمحلية، فهي جزء من المجتمع الذي يمر بسلسلة من التغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ومن أبرزها التغيرات السياسية في نظام الحكم المحلي الداخلي، والناحية الثانية القضايا السياسية الخارجية من عملية تفاوض وتبادل أسرى.
وهناك جانب آخر – بحسب أبو زنط - وهو مدى قناعة المؤسسات الدولية مثل الأونروا بمساعدة اللاجئين، فعلى "الصعيد الخارجي تتأثر المخيمات بأوضاع البلاد التي هي فيها، فمثلا في سوريا تأثرت بالربيع العربي، وفي كل الظروف يكون الفلسطينيون هم الضحية، والدليل على ذلك مخيم اليرموك الذي تأثر بالأطراف الموجودة فيه؛ وهناك التغيرات الاقتصادية الخاصة بدعم المخيمات".
وأضاف أبو زنط في حديث لـ "عربي21" أن المجتمع الفلسطيني "يعاني من الأحداث والتغيرات الخارجية، لأنّها تؤثر على حياة المخيمات، في الجوان النفسية والاجتماعية على حد سواء، ففي الناحية النفسية قد تؤدي هذه المتغيرات إلى شعور اللاجئين بالإحباط، بسبب عدم وجود حلول لقضيتهم منذ 48، وفي الجوانب السياسية سواء الداخلية أو الخارجية فإن أي تغير فيها من شأنه أن يؤثر على حياة المخيمات سواء سلبا أو إيجابا. بالإضافة إلى ذلك فإن الظروف الاقتصادية تؤثر بشكل كبير جدا خاصة مع عدم توفر دخل كاف، مما يجعل سكان المخيم من ذوي الدخل المحدود، ويجعل وضع التعليم متدهورا، وكل هذا يؤثر في التركيبة النفسية والاجتماعية للمخيمات".
وحذر أبو زنط من ظهور "بعض المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، ووجود بطالة وانتشار الجريمة، ما من شأنه أن يودي إلى حالة نفسية عامة، ويؤدي إلى صراع بين المدينة والمخيم وهكذا، والنتيجة الحتمية هي التفكك وعدم الترابط، كما أن عدم وجود حلول في المخيمات أنتج بطئا في التنمية البشرية فيها".
مساحات صغيرة وزيادة سكانية
ومن الناحية الديمغرافية قال مدير وحدة الهجرة القسرية في جامعة النجاح الوطنية سامر عقروق إن هناك تغيرات في عدد سكان المخيم بسبب رحيل بعض سكانه، وتمثل ذلك بالهجرة الداخلية من المخيمات إلى المدن.
وعن الأسباب في هذه الهجرة أكد عقرور أن هناك عدة أسباب لهذه الظاهرة أهمها القصور الواضح في مستوى خدمات (الأونروا) في مجالات التعليم والصحة والبنية التحتية، إضافة إلى زياده أعداد أفراد الأسر، وزواج أعداد من الشباب، وهو ما خلق حاجة ماسة للتوسع وزيادة حصة الفرد داخل المنزل الواحد، وبالتالي الاضطرار للخروج للسكن خارج المخيم.
إضافة إلى ذلك أشار عقروق في حديثه لـ "عربي21" إلى دور ضيق المساحات المتاحة للتوسع في الأبنية المقامة، وخاصة السكنية منها، وحالات الزواج داخل الأسرة الواحدة من الأبناء، والتي فرضت حاجة ماسة إلى مزيد من المساحات غير المتاحة أصلا مما أدى إلى مغادرتهم للمخيم.
ووجه اللوم إلى "الأونروا" بعد تراجع خدماتها، وخاصة في عدم توفر أعداد كافية من المدارس القادرة على استيعاب أعداد الطلبة الجدد، واكتظاظ المدارس وعدم توفر أعداد كافية من المعلمين، إضافة إلى عدم توفر الخدمات الصحية الكافية من عيادات ومستشفيات وأطباء وغيرها، بمعنى آخر عدم توفر الخدمات الأساسية اللازمة لضمان حياة كريمة لسكان المخيمات، بحسب عقروق.
إلا أنه نوه إلى أن الذين خرجوا من المخيمات، لا تزال حياتهم اليومية والنضالية مرتبطة ارتباطا كاملا بالحياة داخل المخيم، فبالإضافة إلى "وجود الامتداد الأسري؛ إلا أن المسؤولية والالتزام الوطني والسياسي يقتضي عليهم التواجد المكثف في داخل المخيم، لأهمية قيامهم بالأدوار المنوطة بهم".
و ختم عقروق حديثه بالتحذير من خطورة مغادرة المخيمات وتركها، فخروج الأطفال من المخيمات للعيش خارجها سيؤدي "حتما إلى عملية النسيان لمسألة حق العودة ما لم تقم الأسرة بالمطلوب منها من خلال تعزيز أواصر الروابط الاجتماعية مع الأهل داخل المخيم، وتنفيذ عملية التثقيف المستمرة لترسيخ ثقافة حق العودة وإحيائها، وضرورة التمسك بإيصال الرواية الفلسطينية".