نشرت صحيفة "ديلي ميل" تقريرا لمراسلها في القاهرة حول
الدعم الذي قدمه رئيس الوزراء البريطاني السابق توني
بلير، ومدير اتصالاته السابق أليستر
كامبل، حيث حاولا تبرير الانقلاب وما صحبه وتبعه من قمع، وقدما النصح للنظام
المصري بخصوص التعامل مع الغرب والإعلام الغربي.
ويقول التقرير، إن ضحايا الانقلاب العسكري اشتكوا من مساعدة بلير وكامبل للنظام المسؤول، عن ارتكاب مجازر مروعة وتعذيب وسجن آلاف الأشخاص الأبرياء. وفي الوقت الذي حضر فيه مدير الاستخبارات العسكرية السابق ليتوج رئيسا بعد انتخابات مثيرة للجدل الأسبوع الماضي، شجب الضحايا مساعدة بلير وكامبل للسيسي في كسب موافقة عالمية على الإطاحة بحكومة منتخبة.
ويذكر المراسل أن الأستاذ في مادة علم الأحياء محمد طارق الذي أصيب بثلاث طلقات، بينما كان يساعد ضحايا المذبحة التي راح ضحيتها مئات المحتجين، قال: "لا تزال الرصاصة في صدري.. فهل هذه هي الديمقراطية التي يحاولون تسويقها في الغرب؟".
ويظهر التقرير أدلة جديدة، على الدور الذي لعبه كامبل في تقديم النصيحة لعبد الفتاح
السيسي، حيث ذكرت "الميل أون صندي" الأسبوع الماضي، أن كامبل الذي اضطر للاستقالة من منصبه في الحكومة عام 2003 بعد دوره في فضيحة "الملف الملفق" لحرب العراق، زار مصر للمحادثات مع فريق السيسي.
ورفض كامبل القول فيما إذا كان تقاضى أجرا أم لا، ولكنه تحدث في مؤتمر في الإمارات في شباط/ فبراير، وهي إحدى البلدان الخليجية التي مولت الانقلاب.
وكشفت صحيفة "ديلي ميل" تفاصيل جديدة حول مهمة كامبل السرية في القاهرة لمنقاشة تسويق نظام السيسي لبقية العالم.
محادثات مع فريق السيسي
وبحسب المصادر الدبلوماسية، أجرى كامبل محادثات مطولة مع مستشارين كبار للسيسي وسياسيين حول كيفية الدفاع عن الانقلاب وما تبعه من أحداث دموية في الإعلام العالمي. وأشار أحد المصادر إلى أن الانقلابيين كانوا "فاشلين في إيصال رسالتهم".
وفي الأسابيع القليلة الماضية زار مستشارو السيسي الولايات المتحدة وبروكسل، ورسالتهم هي أن مصر تحتاج للاستقرار وتبحث عن استثمارات أجنبية.
وبحسب مصادر داخلية، فإن الهدف من الزيارة هو التقليل من حجم الجرائم التي ارتكبت بعد الانقلاب والتضخيم من حجم الانتهاكات التي ارتكبتها حكومة الإخوان المسلمين في عهد الرئيس محمد مرسي، وفي الوقت نفسه الدفاع عن الحد من حرية الصحافة والتظاهر كضرورة سياسية.
وكانت الصحافية رشا غفار التي اعتقلت يوم السبت، هي آخر من يعتقل من الصحافيين على خلفية إرسالها مادة مصورة للجزيرة بتهمة مساعدة جماعة الإخوان المسلمين المحظورة. وهناك مراسل سابق لـ"بي بي سي" من بين المعتقلين بنفس تهمة التآمر.
واعترف كامبل، الصحافي السابق، بأنه ناقش "المفاهيم الموجودة في الإعلام الدولي حول مصر"، وأن أحد المسؤولين المصريين الكبار اشتكى من أن الغرب لم يفهم الأحداث في بلده، حيث قال المسؤول: "خطابنا السياسي ليس قويا ولم نتدرب للتحدث بما يناسب العقلية الغربية.. والديمقراطية مسألة نسبية".
وقد حقق السيسي يوم الخميس فوزا ساحقا على منافسه الوحيد الذي جاء بالمرتبة الثالثة بعد الأصوات الباطلة. وقد أدى عدم المبالاة والمقاطعة إلى إغلاق المدارس ومولات التسوق وإعلان عطلة رسمية مفاجئة وتمديد التصويت لمدة يوم، وذلك بهدف رفع نسبة المشاركين.
وتم الترحيب بنجاحه - مع أن العدد أقل مما طلب - باحتفالات وألعاب نارية وأعلام في ميدان التحرير الذي شهد تظاهرات الربيع العربي قبل 3 سنوات، والتي أدت إلى إسقاط الدكتاتور الفاسد حسني مبارك. ولكن الميدان لم يمتلئ، وأخبرني أحد بائعي القمصان التي تحمل صور السيسي بأن المبيعات كانت سيئة للغاية.
وقام السيسي بانقلابه على مرسي في تموز/ يوليو، العام الماضي، بعد مظاهرات كبيرة في الشارع ضد مرسي. ويقدر عدد من قتل منذ ذلك الحين بـ 1600 وتم اعتقال حوالي 40000 شخص.
توني بلير يمتدح
ومع هذا، فقد امتدح توني بلير تدخل الجيش "لإنقاذ" مصر قائلا بأنها "كانت إرادة الشعب.. لأخذ البلاد إلى المرحلة التالية من تطورها والتي يجب أن تكون ديمقراطية".
أما عمرو موسى، أحد مستشاري السيسي، فقال إنه يرحب بمساعدة أي شخص يفهم التحديات العميقة التي تواجه المصريين. وأضاف: "توني رجل ذكي.. وقد أتى إلى هنا عدة مرات وهو يعرف ما نحتاج إليه".
وقد عاد معظم الحرس القديم ورجال الأعمال من عهد مبارك إلى النظام الجديد، فبعد عزل مرسي في تموز/ يونيو الماضي، استضاف ملياردير الاتصالات نجيب سواريس، توني بلير على يخته الراقي في سان تروبيه (جنوب فرنسا) حيث ناقشا إعادة النظام إلى مصر.
ويجادل أنصار السيسي بأن مرسي فقد شرعيته بجعل معظم البلد تعاديه بسبب عدم كفاءته وطائفيته.
ويتساءل محمد سلماوي، الكاتب الذي شارك في كتابة الدستور وقابل كاثرين آشتون مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي: "لماذا كان علينا أن نعاني ثلاث سنوات أخرى من أجل الزركشة الديمقراطية لإرضاء الغرب؟.. لو لم يتدخل الجيش لوقعت حرب أهلية".
ولكن جمعيات حقوق الإنسان والصحفيين والناشطين يقولون إن القمع الذي تشهده مصر الآن هو الأسوأ في تاريخها الحديث. حيث قال المتحدث باسم "هيومن رايتس واتش": "هذا أسوأ من مبارك، فمستوى القتل الجماعي للمحتجين لم يسبق له مثيل".
ووقعت أسوأ مذبحة في شهر آب/ أغسطس الماضي عندما ذبح حوالي 1000 شخص وجرح الكثيرون، حيث أحاط الجنود - الذي يدعون أنه تم إطلاق النار عليهم - بمخيم الاعتصام دعما لمرسي وأطلقوا النار على المحتجين لعدة ساعات.
يقول المحاضر طارق (34 عاما) الذي أصيب بثلاث رصاصات وفصل من جامعته، ولا يزال يعاني آلام الإصابة، إنه يعتبر نفسه محظوظا بعد ما رأى وجوها مزقت وأحشاء أريقت. ويضيف أن المنظر كان وكأنك تشاهد حرب إبادة.
ويذكر المراسل قصة مدير مركز تدريب اسمه هيثم غنيم، ذهب ليشتري سيارة، وعندما وصل إلى المكان الذي يتجمع فيه أصحاب السيارات الذين يريدون بيعها مر على حوالي 150 شخصا يتظاهرون ضد الانقلاب. وبينما كان يلقي نظرة على السيارات المعروضة للبيع قامت السيارات المصفحة بإغلاق الشارع من الجهتين، وبدأ إطلاق الخرطوش والغاز المسيل للدموع، وسمع ضابطا يأمر الجنود بإطلاق الذخيرة الحية، ولكنهم رفضوا.
ولخوف أصحاب السيارات على سياراتهم ألقو الحجارة تجاه الجنود، ما جعل الضابط يطلق الذخيرة الحية باتجاههم.
يقول هيثم: "كان هناك أناس أمامي وأصيب أحدهم في ساقه ورجل آخر أصيب في بطنه، وبينما كنا نحاول مساعدة أحدهم، فقد راقبنا الرجل يموت أمامنا. لم أكد أصدق، كان هؤلاء الناس يبيعون سياراتهم".
وتم اعتقال هيثم وركل وضرب بأعقاب البنادق، ثم ألقي في باص عسكري. وفي داخله كان هناك شاب بدأ يغمى عليه، يقول هيثم: "رجوتهم أن يفتحوا الباب ليتنفس الشاب، ولكنهم ظلوا يقولون لنا أنتم لستم بشرا أنتم خراف ويجب أن تموتوا".
واستمرت الاعتداءات في الطريق إلى محطة الشرطة، وتم استجوابهم عن علاقتهم بالإخوان المسلمين، وبالرغم من أن هيثم لم يصوت لمرسي، إلا أنه لاقى أشد أشكال التنكيل بسبب اسم العائلة الذي يتشابه مع أحد قيادات المظاهرات من أجل الديمقراطية؛ وقال: "جاءني الضباط وقالوا لي إن كان أخوك سنغتصبك ثم نقتلك".
وألقي به في زنزانة مع 70 آخرين، وسجن دون محاكمة لمدة 26 يوما، وعندما سألته عن رأيه في ما تقول هذه الشخصيات حول مصر على طريقها للتقدم، قال: "يجب على هؤلاء الناس أن يأتوا ويعيشوا معنا إذا كانوا يظنون أن هذه ديمقراطية.. إنهم يساعدون على تدمير ثورتنا.. هؤلاء الذين يسوّقون لنظام يقتل ويعذب ويسجن عددا كبيرا من المصريين، أيديهم ملطخة بالدماء أيضا".