"إلى ذلك
الفرعون القابع في قصره لقد عملت بسيرة فرعون في أولها فانظر إلى آخرها".
هذه كلمة نقلها لي أحد إخواننا في أواخر التسعينات من القرن الماضي، حيث كان ساعتها طالبا في جامعة
القاهرة، وكنت أنا في المرحلة الثانوية من رحلتي التعليمية .
حدثني أخي هذا حينها عن
مظاهرة حاشدة خرج بها طلاب جامعات مصر جميعا، وقد كان اجتماعهم وتظاهرهم في جامعة القاهرة .
وحدثني عن حجم التواجد الأمني الكثيف الذي أحاط بهم، حتى أن طائرات أمنية وتصويرية كانت تحلق من فوقهم .
ثم حدثني عن أحد قادة هذه المظاهرة الحاشدة، الذي وقف أمام هذه الحشود الضخمة غير المسبوقة، وقال تلك الكلمة الخالدة التي بُهرت بها ساعتها وأسرتني وأخذت أرددها طويلا .
قال الأخ الشجاع هذه الكلمة موجها حديثه لمبارك: "إلى ذلك الفرعون القابع في قصره، لقد عملت بسيرة فرعون في أولها فانظر إلى آخرها" .
أتذكر كلمة قالها أحد دعاتنا المشاهير غير المصريين، قالها وهو يتحدث عن الشأن المصري في محنة من المحن الكثيرة التي كتبها الله على هذه البلدة وعلى أهلها .
قال الداعية مشيرا إلى الفرعون الذي يحكم مصر حينها وإلى فعله: "وما زالت مصر تبتلى في كل تاريخها بفرعون وراء فرعون" .
وكأن الله قد كتب على حكام هذه البلاد الفرعنة، وعلى شعبها العبودية ما بقي الليل والنهار .
أكثر ما كان يعيبه عموم الناس على الدكتور مرسي في عامه الذي حكم فيه، هو كونه مسالما أكثر من الطبيعي، وبتعبيرهم المصري الدارج "طيب أكثر من اللزوم".
وكم سمعنا من الناس تعبيرات من قبيل "ده راجل طيب وإحنا مينفعش معانا الطيب" و "إحنا شعب مبنمشيش إلا بالجزمة على دماغنا" .
الفرعونية التي عاشها هذا الشعب أزمانا طويلة في ظل حكامه المتعاقبين، زرعت فيه _بالتبعية واللزوم _العبودية والخنوع .
قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير، كان قد بلغ الحال بنا ما بلغه، حالة من الضغط السياسي غير الطبيعي، وسواد يلف المشهد المصري بكامله، وانفجار منتظر يلوح في الأفق الغائم .
هنا.... عبرت بقصيدة لي عن هذا الحال، وكان عنوان القصيدة "أنا لا أحبك يا بلادي"، وكان من أهم ما ذكرته في القصيدة _مما دعاني إلى كره هذه البلاد _ الحاكم الفرعون .
قلت ........
أنا لا أحبك يا بلادي
أنا لا أحب الحاكم الفرعون
يبعث صوته في كل وادِ
إني أنا الرب العظيم وأنتمُ حتما عبادي
رأيي هو الرأي الحكيم وما لخيري من نفادِ
تفنى الحياة وما بها، وأنا سأبقى رغم أنف العمر
تأبى جثتي أن تستحيل إلى رقادِ
بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، قلت: أعتذر لبلدي عن قصيدتي السابقة التي قلت لها فيها إني لا أحبها، فكتبت قصيدة بعنوان ( إني أحبك يا بلادي ) .
وذكرت فيها خطابا توجهه بلادي إليّ معاتبة على ما كان مني ‘ ومؤكدة على أن العيب لم يكن أبدا فيها ‘ ولكنه كان دوما في الفرعون الذي يتملكها قاهرا وناهبا .
قلت مبينا حديثها لي ...............
لا ليس عذرا أن تقول لقد ظُلمت بأرضها
أو أن تقول لقد مُنعت القطرَ فيها
والسحاب الحلو ملأ سمائها
ما كان ذاك على رضى منها
وما أبدا تجور الأم في يوم على أبنائها
لكنه ......
ظلم الظلوم وقد تملّك كل ما في الأرض
من خير وزادِ
ومضى يقتّرها لكي ترنوا إليه على الدوام
أعناق العبادِ
في اليوم المشؤوم الذي قبع السيسي الخائن فيه على كرسيّ الرئاسة، تذكرت الكلمة الرائعة التي ذكرتها في أول المقال، فنظرت إليه في التلفاز وقلت، "إلى ذلك الفرعون القابع في قصره، لقد عملت بسيرة فرعون في أولها فانظر إلى آخرها" .
ثم كتبت معقبا بالشعر ...............
اليوم ....
يقبع ذلك السفاح
في القصر المشيد
فرعون....
من تحت التراب هناك
يبعث من جديد
متمنعا في جنده
ويصيح في بأس شديد
إني إلهكمُ الذي
يبدي ويفعل ما يريد
فتذلّ ناكسة الرؤوس إليه
أعناق العبيد