"سعيدة بزواجي وإن تحملت المسؤولية مبكراً" هكذا ترى الفتاة ذات 16 ربيعا، والتي تزوجت قبل ثلاث سنوات، في إحدى القرى الفقيرة بمحافظة أسيوط، جنوبي
مصر، مبتعدة بحديثها عن التحذيرات التي تطلقها السلطات المصرية والتقارير الدولية، بشأن
الزواج المبكر تخوفا من تأثيراته على النمو السكاني، فضلا عن مخاطره على الفتيات.
"ياسمين"، واحدة من فتيات كثيرات بقرى الصعيد لم يكملن تعليمهن، تزوجت مبكراً دون إرادتها، لكن الأمر تحول معها عبر سنوات زواجها الثلاثة إلى رضا بتلك الزيجة التي تقول إنها جعلتها تحصل على إحساس الأمومة، عندما أنجبت طفلها العام الماضي، قبل أن تبلغ الـ 18 وهي السن القانونية للزواج في مصر.
وفي حديث ياسمين نقلا عن الأناضول تجسيد لعشرات غيرها من يرتضون حياتهم عقب الزواج بسنوات، بينما يبقى على الطرف الآخر العشرات ممن يرفضون القبول بالأمر الواقع، معتبرين أنها أسوأ ما تعرضن له خلال صغر سنهن، فيما يبقى طرف أسوأ حالا، رهين الإجهاض والموت أثناء الولادة.
ياسمين تقول إنها "سعيدة بزواجها وإن تحملت المسؤولية مبكراً، وهذا بعد المرور بفترة كانت لا تستطيع تحمل العلاقة الزوجية في بداية زواجها".
في المقابل، عاشت "ابتسام"، من مركز منفلوط، بمحافظة أسيوط تجربة مريرة، مع
الزواج المبكر، انتهت بالطلاق بعد معاناة كبيرة.
وعن تجربتها تقول ابتسام، في حديثها لمراسلة وكالة الأناضول، "تزوجت منذ أربع سنوات وكان عمري 12 سنة، وزوجي كان عمره وقتها 17 سنة، لم أكمل تعليمي بسبب الزواج، وتزوجت بعقد عرفي (غير موثق رسميا)".
وأشارت إلى كثير من المشكلات الصحية التي تعرضت لها منذ بداية الزواج، وسوء معاملة الزوج (صغير السن)، وضيق الحياة المادية مما قادها في النهاية إلى طلاق بلا حقوق، قائلة بأسى "أنا الآن لا أستطيع إثبات زواجي لأننا ناس غلابة (فقراء).. منه لله أبويا (أبي) وأعمامي هم السبب "، مستدركة "الحمد لله لم أنجب منه".
وتكافح السلطات المصرية الزواج المبكر منذ سنوات عدة، غير أنها انشغلت بالأزمة السياسية عقب اندلاع الثورة المصرية، لكن بعد انتخاب رئيسا جديدا للبلاد وتشكيل حكومة جديدة، أعلن مسئولون بالحكومة عن قلقهم إزاء ما اعتبروه قضية من أهم المشاكل الاجتماعية التي من شانها التأثير على ارتفاع معدلات الخصوبة بما يؤدي إلى نمو سكاني غير منضبط.
وفي مؤتمر صحفي عقدته وزارة الصحة المصرية، يوم الاثنين الماضي، بالتعاون مع المجلس القومي للسكان، أعلن وزير الصحة المصري عادل عدوي، عن إستراتيجية للحد من الزواج المبكر، حيث استهدفوا تخفيض نسبة الزواج المبكر بين الفتيات المصريات إلى نصف الرقم الحالي على مدار خمس سنوات.
وتبلغ نسبة الزواج المبكر في مصر ما بين 13% و17% من إجمالي الفتيات المصريات، و40% من إجمالي الفتيات في المناطق التي تنتشر بها الظاهرة في الريف، سواء بالدلتا أو الصعيد، وفق تقديرات غير رسمية، حيث لا يوجد إحصائية دقيقة، بحسب هالة يوسف مقرر المجلس القومي للسكان خلال المؤتمر الصحفي.
وفي مصر تخرج قوافل تستهدف توعية أهالي الفتيات في محافظات الصعيد، من بينها قوافل تتبع المجلس القومي للمرأة، ووزارة الأوقاف.
وتقول هاجر صلاح الدين مقرر لجنة الصحة والسكان بالمجلس القومي للمرآة نقلا عن الأناضول إن "الزواج المبكر للفتيات يرجع إلى وجود بيئة داعمة له تتعلق بعوامل ثقافية واقتصادية، إلى جانب عدم وجود إرادة سياسية لمواجهة القضية".
وأضافت صلاح الدين "نحن بالفعل نقوم بإرسال قوافل في جميع المحافظات وسيما القرى النائية بالصعيد بهدف توعية الأهالي وكذلك متابعة الحالة الصحية لكثير من الفتيات، لكن في النهاية يجب أن نعترف أنه لابد من وجود حزمة إجراءات تسهم في تضافر الجهود بين جميع المؤسسات، سواء الصحة أو الأوقاف أو الداخلية".
في اتجاه متوازي، قال محمد عيد الكيلاني، مدير عام المساجد الحكومية بوزارة الأوقاف، نقلا عن الأناضول إنه "بالرغم من أن القوافل تلقت مؤشرات إيجابية خلال الجولات التي قامت بها، لكن مازال الوضع منتشراً في عدد من القرى"، وهو ما يفسره الكيلاني بأنه "من الطبيعي ألا تنتهي الظاهرة بين يوم وليلى ولكنها تحتاج إلى تضافر الجهود".
وقال عدد من أهالي الفتيات ممن رفضن الكشف عن هويتهم إن الفتيات وقت زواجهن يكون الفرق بين سن الزواج الطبيعي شهور قليلة فيلجأ المأذون الى حساب سنها بالسنة الهجرية وليست الميلادية، حيث أن السنة الهجرية أقل 11 يوما عن الميلادية.
وتجمع القرى بين قاصرات تزوجن بفارق سن أقل بقليل عن السن القانوني، وذلك يرجع إلى حساب سنها بالسنة الهجرية وليست الميلادية، أي أقل 11 يوما عن الميلادية، وبين أخريات يكون سنها أقل بسنوات عن السن القانونية فيقوم المأذون بتحرير عقد زواج بشهود ولا يقوم بتوثيقه إلا بعد بلوغ الفتاة للسن القانونية.
ويحتكم أهالي الفتاة، خصوصا القرويون والريفيون منهم إلى أعراف وعادات اجتماعية تلزمهم تزويج الفتاة مجرد دخولها سن البلوغ، وإلا يعتبرها أهالي القرية "عانسا".
ولأن الزواج المبكر، ليست قضية مصرية فهي تنتشر في كثير من بلدان العالم، فإن صندوق الأمم المتحدة للسكان قال في آخر تقرير بشأن هذه القضية عام 2012 بعنوان "يتزوجون وهم صغارا جدا"، إن "واحدة من أصل ثلاث فتيات في المناطق النامية من العالم تزوجن قبل بلوغ سن 18، وواحدة من أصل تسع فتيات في البلدان النامية تزوجن قبل سن 15 عامًا.
وبحسب تقارير منظمة اليونيسيف (صندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة) فإن ظاهرة الزواج المبكر للفتيات تتسبب لهن في آلام بدنية ونفسية رهيبة.
وتقول منظمة اليونيسيف إن زواج الأطفال أي الزواج المبكر، يعد أكثر شيوعاً في جنوب آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.