قالت الصحفية البريطانية "ايزابيل هانتر" في مقالها الأخير بموقع "ميدل إيست آي" (عين الشرق الأوسط) إن انتصارات
داعش الأخيرة في
العراق تصب في صالح
العلاقات التركية الكردية بشكل غير مباشر.
وأوضحت هانتر أن إعلان المتحدث باسم الحكومة التركية أن
الأكراد لهم حق تقرير المصير وسيطرة الحكومة الكردية على كركوك يشكلان نقلة هامة في العلاقات التركية الكردية، فالسيطرة على كركوك كانت خطا أحمر بالنسبة لأنقرة منذ ثلاثة أعوام فقط. وكما يقول الخبير في الشؤون التركية في مؤسسة كارنيجي سنان أولجان، فإن عدم انزعاج أنقرة من سيطرة الأكراد على كركوك يعكس تحولا في مستوى الثقة بين الطرفين. وتركيا الآن لم تعد تنظر إلى الحكومة الكردية كتهديد أمني، ولكنها تعتبرها شريكا اقتصاديا يساهم في إدماج صفقات الطاقة والتجارة التركية في المنطقة.
وتتابع الصحيفة بأن العلاقات التركية الكردية تشهد أزهى عصورها الآن، فالصادرات التركية إلى العراق بلغت 12 مليار دولار العام الماضي، وهي ثاني أكبر شريك تجاري لتركيا بعد ألمانيا. ولكن مع توتر العلاقات مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، فقد زادت
تركيا من صفقات الطاقة مع كردستان العراق بتوقيعها لصفقة خط للنفط مع الحكومة الكردية.
وكردستان تعتمد على تركيا في مجال الاستثمار وكمصدر للنفط الذي تصدره لها عبر العراق، وتقول الصحيفة إنه في الوقت الحالي يوجد مليون برميل نفط كردي في ناقلة تركية في البحر المتوسط تم تصديرها عبر تركيا، وهو ما تعتبره بغداد غير قانوني. ولكن حتى بدون كركوك فإن الحكومة الكردية تملك 45 مليار برميل من الاحتياطي النفطي.
ويقول أحد الخبراء في حوار مع الصحيفة، إن تركيا تعتمد على كردستان العراق في أمن الطاقة، لأن المصادر الرئيسية للطاقة بالنسبة لتركيا هي دول منافسة لها مثل روسيا وإيران.
وأضاف أن "تركيا تملك نسبة كبيرة من النفط الكردي من خلال عقود تبادل الإنتاج والخدمات، ما يعني أن لديها سيطرة على حقول النفط الكردية، وهذا ما يجعلها شراكة معقدة وليست فقط مبنية على التبعية وتنويع مصادر الطاقة".
وأوضح الباحث أنه "حتى إذا حدث خلاف مع إيران أو روسيا، فسيظل لتركيا مصادر مضمونة للطاقة، وهذا ما تدركه تركيا جيدا".
وتابعت الصحيفة بأن بغداد لم ترحب بهذه العلاقة، كما أنها لم ترحب بها واشنطن، حيث يرى الاثنان أن عوائد النفط الكردي هي ملك للعراق بأكمله.
ولكن الآن بعدما خسرت العراق نسبة كبيرة من أراضيها أمام الحكومة الكردية وداعش، فلم يعد لها القدرة على لوم الأكراد على تصديرهم للنفط، على حد قول الصحيفة.
وقالت الصحيفة إن تركيا الآن تواجه تطورا آخر، وهو الوحدة الكردية حيث يعقد المسؤولون الأكراد السوريون والعراقيون اجتماعات في أربيل وإسطنبول، ويتوحد الأكراد العراقيون والسوريون على الأرض للمرة الأولى لمواجهة هجمات داعش.
ويشعر الأكراد السوريون بالقلق الشديد جراء استيلاء داعش على ترسانة أسلحة ثقيلة في الموصل، وتم نقلها إلى سوريا عبر الحدود.
وقال عبد السلام أحمد رئيس المؤتمر الشعبي لغرب كردستان، في حواره مع "ميدل إيست آي" إن داعش تشكل تهديدا وجوديا للأكراد، "وهذا يتطلب أن تتحد جميع القوى الكردية وترسم خططا واستراتيجيات موحدة من أجل مواجهة ووقف تلك الجماعات".
وتجري الآن نقاشات رفيعة المستوى في أربيل بين مسوؤلين من حزبي العمال الكردستاني والحكومة الكردية، كما لأنه سافر إلى إسطنبول وفد من الأكراد السوريين للمرة الأولى الأسبوع الماضي في الوقت الذي صرح فيه صالح مسلم رئيس حزب الوحدة الديمقراطي للتليفزيون التركي، بأنه على استعداد لتشكيل جبهة موحدة مع تركيا ضد داعش.
وأكد عبد السلام أحمد أهمية تواصل تركيا مع الأكراد السوريين لمواجهة التهديد المشترك، موضحا أنه من مصلحة تركيا أن تصل إلى اتفاقات مع الأكراد داخل تركيا وفي الدول المجاورة "لأنه إذا ذهبت داعش إلى أبعد من الحدود التركية فسيكون هناك تهديد مباشر على أمن المنطقة".
تركيا والأكراد السوريون
وتابعت الصحيفة بأن الأكراد السوريين الآن يمكن أن تربطهم مع تركيا مصالح مشتركة وخاصة بعدما أصبح لديهم عدو مشترك وهو داعش، وهذا على الرغم من العداء السابق بين تركيا والحزب الكردي السوري بسبب صلته بحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا والدول الغربية كتنظيم إرهابي.
وأشارت الصحيفة إلى أن تركيا تشارك أحد حدودها مع داعش منذ ،2013 وتوجه إليها انتقادات بالتسامح الضمني مع الجماعة من خلال تجاهل العدد الكبير للمقاتلين الأجانب الذين يعبرون من خلال تركيا إلى سوريا.
وقد كان الحزب الكردي السوري وذراعه المسلح لاعبين رئيسيين في القتال ضد داعش في سوريا، ومما يعقد الأمور التهم التي يوجها الحزب لتركيا بدعمها لداعش.
والآن بعدما أصبحت داعش تهديدا مباشرا للمصالح التركية في العراق فإن تركيا يمكن أن تبدأ في المحادثات مع حزب الوحدة الديمقراطي.
وقد ساعدت الخطوات التي اتخذها حزب العمال الكردستاني قبل هجمات داعش في جعل حزب الوحدة الديمقراطي أكثر قبولا، وتخلي حزب العمال الكردستاني عن سياسة "كل شيء أو لا شيء" في تعاملهم مع مسألة حق تقرير المصير، وأصبحوا يطالبون بالاستقلال الإقليمي بدلا من ذلك، ما أدى إلى تحول ملحوظ بعيدا عن المعوقات التي كانت تقوض النقاشات في الماضي، على حد قول الكاتبة.
وأضافت الصحفية أن هناك مخاوف الآن من أن داعش ربما تهاجم الأراضي التركية بعدما صنفت الأخيرة جبهة النصرة كتنظيم إرهابي في بداية شهر حزيران/ يونيو.
ولكن أحد مستشاري الرئيس التركي أنكر ذلك في حوار مع الصحيفة، قائلا إنه "لا توجد مخاوف في هذا الشأن".
وعلى الرغم من ذلك، فقد أشارت الصحيفة إلى أن مسألة هجوم داعش على تركيا هي مسألة وقت ولم تعد مجرد تساؤل، حول ما إذا كانت ستشن هجمات أم لا.
وقال المحلل السياسي التركي سنان أولجان للصحيفة: "إن قوات الأمن التركية في أهبة الاستعداد، وتحاول الآن فهم طبيعة الحركة، وقد داهمت الشرطة التركية خلية مسلحة منتمية إلى داعش في مارس الماضي داخل إسطنبول، وقام مقاتلون تابعون لداعش بقتل ثلاثة أشخاص وجرح أربعة جنود أتراك في جنوب البلاد في نفس الشهر".
وتختم الصحيفة بالقول، إن احتمال امتداد هجمات داعش إلى الأراضي التركية لم يعد أمرا مستبعدا بعد انتصارات داعش في سوريا والعراق.