يعتبر أنه لو لم يتدخل "
حزب الله" في
سوريا في الوقت المناسب، لكانت "داعش" الآن في بيروت، نافيا تهمة الطائفية عن فتاوى "الجهاد" التي خرجت من المرجعية الدينية الشيعية في النجف، معتبرا أن ما صدر عنها من دعوة "لحمل السلاح بوجه الإرهابيين ليس القصد منه حماية طائفة بعينها بل حماية العراق بأسره".
لكن أطرافا عدة في العالمين العربي والإسلامي، بعضها كان يكن له تقديرا عاليا، خصوصا بعد حرب تموز/ يوليو وصفقة تبادل الأسرى، تتهمه بالطائفية، وبأن تدخله في سوريا جاء بقرار إيراني لإنقاذ الرئيس بشار الأسد، كما واجه انتقادات واسعة من خصومه في
لبنان الذين يتهمونه بنقل التوتر إلى البلد الصغير، والذي يعاني منذ بدء النزاع في سوريا من توترات أمنية متنقلة خلال الأشهر الأخيرة من تفجيرات حصدت عشرات القتلى، ومعارك بين اللبنانيين أنفسهم.
يواجه حسن
نصر الله، المولود عام 1960 في بلدة البازورية الجنوبية القريبة من مدينة صور، أزمة شعبية في الوطن العربي (السني)، وهو يصر على أن أي حل للأزمة في سوريا يجب أن يمر من خلال الأسد وأن "لا أفق للحرب العسكرية".
اختبر نصرالله قسوة الحياة في مرحلة مبكرة من حياته الشخصية، فقد اضطرته الظروف، وهو صغير وبسبب ضيق حال العائلة وانعدام فرص العمل في بلدته للنزوح مع عائلته إلى بيروت، وهناك أقامت العائلة في منطقة الكرنتينا في أطراف العاصمة. كما ساعد في أولى أيام حياته والده في بيع الخضار والفاكهة.
وعندما اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية رجع مع عائلته إلى بلدته وهناك تابع دراسته الثانوية والتحق بصفوف حركة "أمل" التي أسسها موسى الصدر، وكان خياره يبدو بعيدا حينها عن توجهات البلدة السياسية التي كانت تأخذ الطابع الشيوعي والماركسي وذلك لكثرة الشيوعيين الموجودين فيها إبان ذلك الوقت، ثم أصبح مندوب الحركة في بلدته.
وفي مدينة صور تعرّف على محمد الغروي الذي كان يقوم بتدريس العلوم الإسلامية في إحدى مساجد المدينة باسم الصدر، الذي ساعده على الذهاب إلى مدينة النجف والتي تتلمذ فيها كبار علماء الدين الشيعة، وحمّله الغروي كتاب توصية لمحمد باقر الصدر أحد أهم رجال الدين الشيعة، وبوصوله إلى النجف تعرف على عباس الموسوي. لقاؤه بالموسوي كان مرحلة محورية في حياة نصر الله، فمنذ اللحظة نشأت صداقة قوية ومتينة بين الرجلين الذين كتبا فصلا هاما من تاريخ المنطقة عبر تأسيس "حزب الله" عام 1982.
بعد لقائه بالصدر، طلب الصدر من الموسوي رعاية نصر الله، وعهد له بتدريسه، وكان الموسوي صارما في دوره كمعلم، مما أمن لنصر الله الفرصة بإنهاء علومه الدينية في فترة سريعة نسبيا، حيث أنهى المرحلة الأولى عام 1978.
بعد أن عاد نصر الله إلى لبنان التحق بالحوزة الدينية في بعلبك، وهناك تابع حياته العلمية معلما وطالبا، إضافة إلى ممارسته العمل السياسي والمقاوم ضمن صفوف تنظيم حركة "أمل" واستطاع الوصول إلى منصب مندوب الحركة في البقاع.
عام 1982 كان عاما مفصليا في حياته، ففي هذا العام وقع الاجتياح
الإسرائيلي للبنان وواجهت "أمل" أزمة في صفوفها بين تيارين متعارضين، تيار يقوده نبيه بري وكان يطالب بالانضمام إلى "جبهة الإنقاذ الوطني"، وتيار أخر متدين كان نصر الله والموسوي أحد أعضائه وكان يعارض هذا الأمر، بسبب وجود بشير الجميل في الجبهة، وكانوا يعتبرون الجبهة تريد إيصال الجميل إلى رئاسة الجمهورية.
والجميل هذا كان خطا أحمر لدى تيار المتدينين بسبب موالاته لـ"إسرائيل"، وبتفاقم النزاع انشق التيار المتدين عن تيار بري، و كانت البداية الأولى لظهور "حزب الله".
عند ولادة "حزب الله" لم يكن نصر الله عضوا في القيادة، فهو لم يكن حينها قد تجاوز الـ22 من عمره، وكانت مسؤولياته الأولى تنحصر بتعبئة المقاومين وإنشاء الخلايا العسكرية.
بعد فترة تسلم منصب نائب مسؤول منطقة بيروت، واستمر بالصعود داخل سلم المسؤولية في الحزب، فتولى لاحقا مسؤولية منطقة بيروت ثم استُحدث بعد ذلك منصب المسؤول التنفيذي العام المكلّف بتطبيق قرارات "مجلس الشورى"، فشغله نصر الله.
ولكن حسن نصر الله -وبعد مدة- غادر بيروت متجها إلى إيران؛ إلى مدينة قم لمتابعة دروسه الدينية، ولكن التطورات الحاصلة على الساحة اللبنانية اضطرته للعودة مجددا إلى لبنان.
بعد عودته وجد نصر الله منصبه كمسؤول تنفيذي عام قد سـُلـِم لنعيم قاسم، وهكذا بقي نصر الله من دون منصب حتى انتخاب عباس الموسوي أمينا عاما، فعين قاسم نائبا له وعاد حسن نصر الله لمسؤوليته السابقة.
في عام 1992 اغتالت "إسرائيل" أمين عام "حزب الله" عباس الموسوي، فانتخب أمينا عاما للحزب بالرغم من أن سنه كان صغيرا على تولي هذه المسؤولية ولكن يبدو أن صفاته القيادية وتأثيره الكبير على صفوف وأوساط قواعد "حزب الله" قد لعبت دورا مؤثرا في هذا الاتجاه.
وفي ذلك العام، وبعد أشهر قليلة من اغتيال الموسوي، اختار الحزب الدخول إلى الصالون السياسي اللبناني، فشارك في الانتخابات النيابية التي جرت في ذلك العام، وحصد عدداً من المقاعد النيابية عن محافظتي الجنوب والبقاع.
وفي عام 1997 فقد نصر الله ابنه البكر هادي، في مواجهات دارت بين مقاتلي الحزب وجيش العدو الإسرائيلي، في منطقة الجبل الرفيع جنوب لبنان.
نجاحات الحزب في تلك الفترة وضعته على قمة الشعبية في الشارع العربي، واستطاع الحزب بقيادة نصر الله تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي باستثناء مزارع شبعا، وذلك في أيار/ مايو عام 2000.
وتمكن في كانون الثاني/ يناير عام 2004 من تسجيل نجاح هام بتنظيم عملية أشرف عليها شخصيا تمثلت في تبادل جثث ثلاثة جنود إسرائيليين مقابل الإفراج عن حوالي 400 أسير لبناني وعربي معتقلين في السجون الإسرائيلية، إضافة إلى استعادة جثث لبنانيين وعرب -من بينها جثة ابنه هادي- سقطوا في مواجهات مع الإسرائيليين، بعد وساطة طويلة قامت بها ألمانيا.
لكن واقع الحال بالنسبة لشعبية الحزب داخل لبنان تغير بعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب البلاد، إذ بدأت تظهر على الساحة أصوات مطالبة بنزع سلاح الحزب وتسليمه إلى الدولة اللبنانية، لكن نصر الله رفض بشدة الضغوط الدولية التي تجسدت بالقرار رقم (1559) عام 2005 الذي طالب بسحب سلاح المليشيات اللبنانية وغير اللبنانية في إشارة إلى "حزب الله".
اعتبر عبر سنوات صعوده الذهبية من بين أكثر الشخصيات تأثيرا في العالم الإسلامي، كما تصف العديد من المصادر نصر الله بأنه يتمتع بكاريزما قوية، وكانت خطبه الحماسية أيام الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان تستحوذ على اهتمام الشارع العربي، وتحديدا في حرب تموز/ يوليو عام 2006 فقد خرجت المظاهرات المؤيدة له آنذاك في لبنان وعدد من الدول العربية.
لكن هذا التأثير ما لبث أن تراجع بعد أن دخل الحزب طرفا أساسيا في الصراع في سوريا.
وجاهر "حزب الله"، بمشاركته في القتال في سوريا، معتبرا ذلك واجبا له لصد "الهجمة التكفيرية" والغربية على سوريا، وأضاف نصر الله: "يمكن القول إننا أصبحنا الآن في ربع الساعة الأخير قبيل تحقيق انتصار تاريخي واستراتيجي جديد"، مضيفاً: "لو لم نذهب إلى سورية، لتحوّل لبنان إلى عراق ثانٍ".
لكن الأحداث تسير باتجاه تحويل العراق إلى سوريا ثانية، بعد التحشيد الطائفي في العراق، واتجاه البلاد نحو التقسيم الفعلي، بعد أن أغلق رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الأبواب أمام الحل السياسي.
داخليا يجدد نصر الله التأكيد على ضرورة إنهاء حالة الفراغ الرئاسي الحاصل، وقال إن "حزب الله" يريد رئيسًا للجمهورية في أقرب وقت، ولا نريد رئيسًا يطعن المقاومة في ظهرها. إذن رئيس جمهورية على مقاس الحزب.
نصرالله يضع الحزب في موقع الوصي والحامي للنظام في سوريا وفي العراق، وهي رؤية يعتقد كثيرون بأنها نابعة من زاوية طائفية إقصائية، لكن مريديه يرفضون هذه التهمة ويواصلون وصفه بـ"سيد المقاومة".