"أسمع أن الكثير من مشجعي كرة القدم في دول الجوار يشاهدون مباريات المونديال على القنوات
الإسرائيلية، أهلا وسهلا بكم".
بهذه الكلمات، عبر عوفير جندلمان المتحدث باسم رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي عن سعادته بمتابعة العرب - وخاصة المصريين- لمباريات كأس العالم الذي تستضيفه البرازيل.
ويشاهد عدد كبير من الجمهور العربي مباريات كأس العالم عبر القمر الإسرائيلي "عاموس"، لمواجهة تشفير المباريات عبر قنوات "بي إن سبورتس" (الجزيرة الرياضية سابقا) التي تمتلك الحقوق الحصرية لبث المباريات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ويضطر من يريد مشاهدة المباريات عبر قنوات "بي إن سبورتس" إلى تحمل تكلفة مرتفعة، في حين أن القنوات الإسرائيلية تقدمها مجانا.
سعادة إسرائيلية
ويقول مراقبون إن المسؤولين الإسرائيليين يعيشون هذه الأيام حالة من السعادة الغامرة بسبب إقبال الجمهور العربي على مشاهدة مباريات كأس العالم عبر القنوات الإسرائيلية، وهو ما يمثل تطورا غير مسبوق في ملف التطبيع الذي قاومته الشعوب العربية لعقود طويلة، وتوقفت العلاقات بين إسرائيل وجيرانها العرب على السلام البارد مع عدد محدود من الحكومات.
ونشر جندلمان - عبر صفحته على فيسبوك - قاموس "عربي - عبري" معلقا بقوله: "هذا إهداء خاص منّي للمشجعين بدول الجوار الذين يشاهدون المونديال على القنوات الإسرائيلية بدون ترجمة للعربية.. هذه قائمة من مصطلحات كرة القدم مترجمة من اللغة العبرية إلى العربية وأتمنى أن تجدوها مفيدة لكم".
من جانبه، أكد رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو سعادته البالغة، بسبب إقبال المشاهدين العرب على متابعة مباريات المونديال عبر القنوات الإسرائيلية.
ورأى عدد كبير من المصريين - الذين يعيشون ظروفا اقتصادية صعبة - في القنوات الإسرائيلية بديلا جيدا وغير مكلف عن الشبكة القطرية، كما أنهم وجدوا فيها أيضا ما يغنيهم عن متابعة كأس العالم عبر شبكة الإنترنت وما يصحبه من تقطع في الصورة وعدم وضوح بشكل يفسد متعة مشاهدة المباريات، غير عابئين بالاعتبارات السياسية.
وذكر التلفزيون الإسرائيلي - في تقرير سابق له- أن عدد المشاهدين العرب الذين يتابعون القنوات الإسرائيلية التى تبث مباريات كأس العالم تجاوز العشرة ملايين، موزعين بين مصر والأردن والأراضي الفلسطينية ولبنان وسوريا، مشيرا إلى أن الدوافع الاقتصادية واحتكار شبكة "بي إن سبورتس" للبطولة هو السبب وراء المشاهدة الكثيفة للقنوات الإسرائيلية.
ويتكلف الاشتراك في قنوات "بي إن سبورتس" لمشاهدة المباريات في مصر نحو 1600 جنيه، أي ما يعادل 220 دولارا، وهو ما يفوق قدرات ملايين الأسر الفقيرة.
غزو ثقافي
وأصبح من المألوف أن تجد بعض المقاهي في مصر تعرض المباريات عبر القنوات الإسرائيلية ويلتف العشرات حول أجهزة التلفزيون التي غالبا ما يتم إغلاق صوت المعلق الإسرائيلي فيها، حيث لا يفهم أحد ما يقوله.
ويقول متابعو القنوات الإسرائيلية، إنها بدأت في الفترات الأخيرة في عرض مسلسلات وأفلام عربية قبل وبعد المباريات، إرضاء لمشاهديها العرب، وفي مسعى لجذب المزيد منهم.
وفي المقابل، لا يخفي السياسيون المعارضون للتطبيع مع إسرائيل خطورة هذا التطور الذي يرونه غزوا ثقافيا سيضر بالقضية الفلسطينية خاصة، وبالصراع العربي- الإسرائيلي بشكل عام.
ويقولون إن الكيان الصهيوني سيدس أفكاره عبر البرامج والنشرات الإخبارية التي تسبق وتلي المباريات، وسيقدم القضايا الهامة إلى الشباب المصري - مثل المقاومة والاحتلال والتطبيع - من منظوره هو، ما قد يؤثر فيهم مستقبلا.
ونقلت وكالة أنباء الأناضول عن الخبير العسكري علاء عز الدين، قوله إن غزوا ثقافيا وفكريا تقوم به إسرائيل للعرب عن طريق استغلال حاجتهم لمتابعة كأس العالم، مشيرا إلى أن المتابعة للقنوات الإسرائيلية لا تعني تطبيعا مؤقتا من جانب العرب، ولكن تعني تغيير المفاهيم والقيم المغروسة في العقل العربي منذ القدم في عدائه لهذا الكيان المحتل، وستظهر آثاره في المسقبل.
صمت قطري
ولا يعرف أحد حتى الآن السبب الحقيقي وراء قدرة القنوات الإسرائيلية على نقل المباريات، في حين تعجز مئات القنوات العربية عن الحصول على أي لقطة من البطولة الرياضية الأهم في العالم.
وتعليقا على هذه الظاهرة، أصدرت رابطة النقاد الرياضيين في مصر بيانا أعلنت فيه رفضها القاطع لما أسمته "المؤامرة المكشوفة" التي يقوم بها الكيان الصهيوني بالاشتراك مع شبكة قنوات الجزيرة الرياضية لإجبار الشباب العربي على متابعة مباريات كأس العالم على القنوات الصهيونية المفتوحة.
وأكدت الرابطة في بيانها - الذي تلقى "عربي21" نسخة منه - أن الشبكة القطرية تجاهلت بث مباريات المونديال في المنطقة من خلال القنوات الصهيونية وتنازلت عن الحقوق الحصرية التي تمتلكها، والتي كثيرا ما قامت بسببها بمقاضاة قنوات عربية في السنوات الأخيرة عندما تعدت عليها، في الوقت الذي لم تفعل فيه نفس الشيء حين أذاعت القنوات الصهيونية المباريات في بث مفتوح على القمر الصهيوني "عاموس".
وأضاف البيان أن هذا يؤكد وجود مؤامرة لإجبار الشباب العربي على التطبيع مع الكيان الصهيوني عبر متابعة المونديال، من خلال الخدمة المجانية الصهيونية.
وناشدت الرابطة جميع المقاهي والكافيهات والمراكز التجارية وأماكن تجمع الشباب العربي عدم متابعة المونديال على القنوات الصهيونية، حتى وإن اضطروا إلى عدم متابعة المباريات من الأساس تجنبا للتطبيع مع الكيان الصهيوني العدو والمغتصب للأرض والحقوق العربية.
وأكد محمد شبانة رئيس رابطة النقاد الرياضيين المصرية - في تصريحات صحفية - أن القنوات الإسرائيلية بدأت في تقديم الخدمة باللغة العربية، سواء في التعليق أو في الأستوديو التحليلي، ما يعكس رواج تلك الخدمة بين الشعوب العربية.
لكن متخصصين يقولون إن شبكة "بي إن سبورت" القطرية، قامت بمنع القنوات الإسرائيلية، من بث مباريات كأس العالم مجانا بالتعليق العربي، وهو أقصى ما تستطيع تحقيقه، مشيرين إلى أن عددا آخر من القنوات مثل قناة "تشاد" الفضائية تقوم ببث المباريات مع تعليق باللغة الفرنسية.