بعد فشل حملة التبرعات التي أطلقها الجنرال عبدالفتاح
السيسي؛ يتوقع مراقبون أن تنشب معركة "كسر عظام" بين حكومة إبراهيم
محلب من ناحية، وقيادات فئات معينة كالقضاة، ورجال البنوك، والشرطة، والبترول، من ناحية أخرى، على إثر إصدار تشريع بقانون تطبيق الحد الأقصى للأجور، يُتوقع صدوره في خلال الأيام المقبلة من شهر رمضان الجاري، إذا استمرت الحكومة في جديتها بهذا الصدد.
وكانت البداية جاءت مع موافقة مجلس الوزراء في الأسبوع الماضي على "مشروع قرار المشير عبدالفتاح السيسي، بشأن الحد الأقصى لدخول العاملين بأجر لدى أجهزة الدولة، الذى يلزم بألا يزيد صافي الدخل الذى يتقاضاه من أموال الدولة أي شخص من العاملين بالجهاز الإداري للدولة على خمسة وثلاثين مثل الحد الأدنى، وبما لا يجاوز اثنين وأربعين ألف جنيه شهريا".
لكن الجهاز المركزي للمحاسبات قال إن هناك جهات عدة أعلنت عدم التزامها بتطبيق الحد الأقصى للأجور، ورفضت تقديم البيانات للجهاز المركزي للمحاسبات، كوزارة الداخلية والنيابة العامة ومحكمة استئناف القاهرة وعدد من البنوك الكبرى بالدولة، بحسب بيان للجهاز!
الزند: ثورة قضائية كبرى
وفي رد فعل غاضب على هذا التوجه الحكومي، حذر المستشار أحمد الزند رئيس نادي القضاة، حكومة محلب الحالية ورئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، من التعرض لمخصصات ورواتب القضاة، وهدد بالتصعيد والإضراب، والقيام بـ"ثورة قضائية كبرى لا يمكن السيطرة عليها"، على حد وصفه، مناشدا إياهم عدم إصدار القرار.
وقال الزند -في جمع من القضاة داخل مقر نادي القضاة في أول ليلة من رمضان-: "يجب علينا أن نكون يدا واحدة لمواجهة أي قرارات قد تصدر في الفترة المقبلة، وقد بدأ البعض في التمهيد لهذه القرارت عبر تصريحات تحاول تسوية مؤسسة القضاء عمود الدولة بباقي المؤسسات"، على حد وصفه.
غليان في البنوك
في سياق متصل، سادت حالة من الغليان بين العاملين في البنوك العامة بسبب تطبيق الحد الأقصى للأجور على القطاع المصرفي.
وذكرت تقارير صحفية أن البنوك تقوم بالفعل بتطبيق الحد الأقصى للأجور، وفقا للقانون الصادر في هذا الشأن، الذى حدده بألا يزيد على 35 ضعف الحد الأدنى، أما التعديلات المستحدثة على القانون، وهي تحديد مبلغ 42 ألف جنيه كحد أقصى للأجور، التي أقرها مجلس الوزراء مؤخرا، فإنها تقتضي إعادة هيكلة أجور العاملين بالبنوك.
وتخوف عدد من المصرفيين من هروب كوادر محترفة من بنوك القطاع العام لصالح البنوك الأجنبية والخاصة، متسائلين: "كيف ينخفض مرتب رئيس البنك دون انخفاض مماثل لجميع العاملين، وتغيير الحد الأدنى بالمثل؟ مؤكدين أنه من الظلم المساواة بين أصحاب الدرجات العلمية المختلفة وبين الكفاءات وغيرهم من العاملين بالبنوك".
الداخلية تصارع المحاسبات
من جهتها، هاجمت وزارة الداخلية الجهاز المركزي للمحاسبات. وقالت في بيان لها الخميس إن ما يصدر عن مسؤولي الجهاز من تصريحات بشأن الوزارة يتنافى مع الأعراف التي تحكم عمل الجهاز.
وأشارت الوزارة إلى أنها سبق أن اعترضت على اللجنة التي استمرت في عملها بالتفتيش على أعمال "الداخلية" لمدة ثلاث سنوات متواصلة لافتقادها الحيدة، وإثارة المشكلات مع مسؤولي الحسابات والميزانية بالوزارة، وأنه تم الاتفاق في لقاء مع المستشار رئيس الجهاز، على تغييرها بلجنةً أخرى، إلا أن الجهاز لم يلتزم بذلك وأرسل ذات اللجنة، الأمر الذي يؤكد ما يساور العاملين بالوزارة من شكوك حول توجهاتها!
غير أن الوزارة شددت على التزامها الكامل بتطبيق الحد الأقصى للأجور. وقالت فى بيانها، إنه في ظل ما نشر بإحدى الصحف المستقله منسوبا للمتحدث الرسمي للجهاز المركزي للمحاسبات، وما تداولته مواقع إلكترونية بشأن امتناع بعض الجهات الحكومية عن تقديم ما يفيد التزامها بتطبيق الحد الأقصى للأجور، ومن بينها وزارة الداخلية، فإن الوزارة تؤكد لتزامها الكامل بتطبيق الحد الأقصى للأجور.
الحكومة ماضية في التطبيق
على الصعيد الحكومي، قالت جيهان عبدالرحمن، رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، إن الحد الأقصى للأجور سيتم تطبيقه نهاية شهر كانون الأول/ ديسمبر المقبل.
وأضافت: "سيتم تطبيق عقوبة على المتهربين من تطبيق القرار وفقا للقانون رقم 242 لسنة 2011، الذي ينص على تطبيق غرامة 25%، ولا تتجاوز 100% على المخالفين، مع إلزام من وقع عليه الغرامة رد المبالغ التي تقاضاها.
وأشارت إلى أن الغرامة ستطبق على المتخلفين عن رد المبالغ الزائدة عن 42 ألف جنيه شهريا، و504 آلاف جنيه سنويا، مشيرة إلى أن الوحدات الحسابية بكل جهة إدارية ستكشف عن رواتب كبار الموظفين بها، وستلزم الجهات الإدارية بعدم إصدار أي شيكات، أو أموال لأي قيادة بالدولة إلا بعد إبلاغ جهة عمله الأصلية.
وكان محلب قرر تطبيق الحد الأقصى للأجور ليشمل جميع ما يتقاضاه الموظف العام من بدلات حضور وانتقال وخلافه.
ونشرت الجريدة الرسمية نص القرار رقم 549 لسنة 2014 على أن يستبدل بنص المادة الثانية من قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 511 لسنة 2014 النص الآتي: "لا يجوز أن يزيد صافي ما يحصل عليه أي شخص من بدل حضور وانتقال عن أي لجنة من اللجان يشترك فيها على 15 ألف جنيه سنويا، ولا أن يزيد صافي ما يحصل عليه من جميع ما يشترك فيه من اللجان من بدلات حضور وانتقال مضافا إليها ما يحصل عليه من راتب أو أجر أو مكافاة أو جهود غير عادية أو أجر إضافي أو حوافز على الحد الأقصى للدخل المقرر قانونا".
مؤيديون ومعارضون
انقسم الخبراء بين مؤيدين ومعارضين للقرار، فانتقد الخبير الاقتصادي مصطفى صقر هذا التوجه مؤكدا أن الحد الأقصى لن يؤدي سوى لهروب الكفاءات من المؤسسات العامة، وأنه في المدى المتوسط والطويل لن تكون الوظائف العامة جاذبة سوى لأنصاف الموهوبين بعد انتهاء موجة النفاق لمتخذ قرار الحد الأقصى بلا استثناءات.
وفي المقابل، أكد الدكتور فخري الفقي، مستشار صندوق النقد الدولي السابق، أن بند
الأجور يصل إلى نحو 209 مليارات جنيه في الموازنة، وأنه إذا تم تطبيق الحد الأقصى يمكن تخفيض ما بين 10 إلى 15 مليارا منها، مشددا على ضرورة تطبيق الحد الأقصى للأجور على كل العاملين في الجهاز الإداري بالدولة والهيئات الاقتصادية وقطاع الأعمال العام، إذ يصل عدد من ينطبق عليهم القرار في المناصب القيادية لنحو 20 ألف موظف.
وقال الدكتور عثمان فكرى: "قرار السيسي كي ينجح ويحدث أثرا حقيقيا لابد من أن يصاحبه قرار آخر، هو ضم الصناديق الخاصة لميزانية الدولة، وإلا فلا طائل، ولا فائدة من تعيين الحد الأقصى".
وأوضح أن "الصناديق الخاصة هي الباب الخلفي للفساد في جميع المؤسسات الحكومية.. في الجامعات وبعض الوزارات والهيئات، التي يصل فيها حجم أموال هذه الصناديق إلى مليارات الجنيهات التي يتحصل عليها الباشاوات أصحاب المناصب الرفيعة دون وجه حق".