كان
تقنين الشريعة الإسلامية – وتحديدا فقه المعاملات الإسلامية – في مواد قانونية مضبوطة
الصياغة، حلم
الفقهاء والقانونيين والقضاة في بلادنا منذ أن دخلت عصرها الحديث، ذلك أن القضاة لم يعودوا – كما كانوا قديما – مجتهدين، يستنبطون الأحكام من مصادرها، وإنما أصبحوا في حاجة إلى قوانين مصاغة صياغات محددة وفق فن صياغة القوانين في المنظومات القانونية العالمية، ولقد زاد من إلحاح هذا الأمر مزاحمة القوانين الأجنبية التي جاءت إلى بلادنا في ركاب النفوذ والغزو الاستعماري – وهي قوانين مصاغة صياغات مضبوطة تسعف المشتغلين بالقضاء، ومن ثم تغري باللجوء إليها بدلا من كتب الفقه تتوزع في بحارها وبطونها الأحكام!.
ولقد كانت "مجلة الأحكام العدلية" التي أنجزتها الدولة العثمانية عام 1869 م أول عمل إسلامي تم فيه تقنين فقه المذهب الحنفي الذي كان مذهب الدولة العثمانية.
وعندما احتل الإنجليز مصر عام 1882 م وفرضوا على القضاء الأهلي المصري القوانين المستمدة من القانون الفرنسي عام 1883م نهض الفقيه المصري محمد قدري باشا (1237 – 1306 هـ ،1821 – 1888 م) وهو تلميذ رفاعة الطهطاوي (1216 – 1290 هـ، 1801 – 1873 م) – بتقنين عدد من كتب المذهب الحنفي ليقدم الفقه الإسلامي بديلا لقانون نابليون.
لكن الإنجاز الأكبر في تاريخ تقنين فقه المعاملات الإسلامية كان هو المشروع الذي أنجزه مجلس الشعب المصري أواخر السبعينات من القرن الماضي، والذي استغرق إنجازه أكثر من أربعين شهرا، وشارك فيه أكثر مائة من كبار فقهاء الشريعة والقانون، والذي أسهم فيه عدد من رجال القانون
الأقباط، والذي قاد العمل فيه الأستاذ الدكتور صوفي أبو طالب (1343 – 1429هـ، 1925 – 2008م)، والذي جاء معبرا عن اجتماع الأمة – مسلمين ومسيحيين – على الشريعة الإسلامية، كبديل للقانون الأجنبي، وكقسمة من قسمات الاستقلال الحضاري في التشريع.. والذي تم الرجوع فيه إلى مختلف مذاهب الفقه الإسلامي.
وفي جلسة مجلس الشعب التي عقدت في أول يوليو عام 1982م والتي أعلن فيها اكتمال هذا التقنين للشريعة الإسلامية، تحدث القانوني البارز الأستاذ اسطفان باسيلي - الذي أمضى في العمل القانوني سبعة وخمسين عاما – عن الشريعة الإسلامية فقال "إني أشعر الآن أن التاريخ هو الذي يتكلم، لقد عرفت بمضي المدة أن الشريعة الإسلامية هي خير ما يمكن أن يطالب به لا المسلم وحده بل وأيضا المسيحي - (تصفيق) – لأنه بها كل ما يرضينا، والعهدة النبوية الموجودة في دير سيناء والمكتوبة بخط الإمام علي تؤكد الحفاظ علينا في كل ما لنا من حقوق وما علينا من واجبات، والقاعدة الشرعية :"أمرنا وتركهم وما يدينون به".
"واليوم، مع هذه البهجة التي أراها أحس كأنه يوم دخول الإسلام إلى مصر، اليوم يستكمل كل ما كان ناقصا وواجب الإكتمال فيما يتعلق بتطبيق الشريعة الإسلامية وما فيها من مصادر الرحمة الكثير بالنسبة للمواطنين".
"لقد جاء القانون المدني عام 1948م وليس به مخالفة واحدة للشريعة الإسلامية، لكن التشريع اليوم به كل شئ حسن، وبه ضوابط تريح كل المواطنين، وستصدر التشريعات ولن يشعر أحد بأن هناك حقا ضاع له، فكلها جاءت لتصون الحق وتحميه، فالشئ الذي يأتي وبه اسم الدين فإنه يرطب الحلق ويريح النفس ويهدئ الأعصاب، ولذلك أقول إنه يوم بهجة يوم أن يكون اسم الشريعة الإسلامية هو المسيطر على كل تشريعاتنا فإن ذلك ما يسعدنا، وللذين جاهدوا عند الله أجر ما عملوا، والحمد لله وشكرا والسلام عليكم" (تصفيق).
وفي عام 1985 م أجرى المركز القومي للبحوث الإجتماعية الجنائية استطلاعا للرأي حول تطبيق الشريعة الإسلامية، صوت فيه 63% من الأقباط مع تطبيق الشريعة، ولقد علق البابا شنودة على ذلك - في الأهرام بتاريخ 6 مارس 1985م – فقال :"إن الأقباط في ظل حكم الشريعة يكونون أسعد حالا وأكثر أمنا، ولقد كانوا كذلك في الماضي حينما كان حكم الشريعة هو السائد، نحن نتوق إلى أن نعيش في ظل "لهم ما لنا وعليهم ما علينا"، إن مصر تجلب القوانين من الخارج وتطبقها علينا، ونحن ليس عندنا ما في الإسلام من قوانين مفصلة، فكيف نرضى بالقوانين المجلوية ولا نرضى بقوانين الإسلام؟!".
إنها شريعة الأمة، التي تحقق الأمن والعدل والسعادة للجميع.