مر عام على انقلاب الثالث من يوليو، ولم تنعم مصر بالحرية والديمقراطية كما خدعنا قادة وسحرة الانقلاب، بل على العكس تماما شهدت البلاد رِدة مروعة على صعيد الحريات العامة والخاصة حتى إشعارٍ آخر، تحت حكم الدبابة فعشنا عاماً من الفشل الذريع في كل شيء، وعلى جميع الأصعدة والمستويات سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وحتى أمنياً.
بعد عام من الانقلاب أصبح القتل خبر الساعة المعتاد، حتى أصبح الإنسان مجرد رقماً لا قيمة لا له عند الانقلابيين ، وصار التعذيب والاغتصاب في السجون والمعتقلات سمة من سمات زمن الدبابة الكئيب.
بعد مرور عام على الانقلاب لم يذق الشعب المصري سوى حنظل الأزمات الاقتصادية الخانقة، ورزح تحت حصار الفقر والعوز بعدما وعده قادة وسحرة الانقلاب بالمن والسلوى والعسل، وأنه (نور العين وجوا العين) فصار المواطن الفقير يُداس بالأقدام يدفع فاتورة الفشل الاقتصادي ويتحمل على كاهله تبعات تخفيض الدعم، وإجراءات صندوق النقد والبنك الدولي حلفاء السلطات الاستبدادية فلا تنمية ولا سياحة ولا استثمار ولا بناء اللهم إلا بناء المزيد من السجون والمعتقلات.
مر عام على الانقلاب وقد تفكك الجسد المصري الواحد، وتشرذم بين مؤيد ومعارض على نحوٍ لم يحدث في تاريخ البلاد من انقسام مجتمعي مخيف، هدد ويهدد اللحمة الوطنية لمجتمع لطالما تفاخرنا بمناعته ضد التفكك وقوته ضد الانقسام والتشرذم، على النحو الذي رأيناه طوال عام كئيب من الانقلاب العسكري.
بعد مرور عام على الانقلاب، تم وأد الديمقراطية في مقتل وعُدنا إلى عصور سحيقة من عصور الفراعين حيث لا صوت يعلو فوق صوت الفرعون ولا إرادة تعلو إرادته ، فلا مجال لأي رأى مخالف أو صوت يغرد خارج السرب، فمصر يحكمها الآن ومنذ عام لونٌ واحد ، فإما النفاق والتملق للفرعون أو الإبعاد والإقصاء بل والتخوين والعمالة ، إما الرقص الرخيص على أشلاء الشهداء أو القتل والسجن والتعذيب والاغتصاب.
بعد مرور عام على الانقلاب وصارت مصر علمانية بالفطرة وانسلخت عن هويتها الإسلامية، وبدا أن الحرب التي تقودها وتشنها سلطة الانقلاب على ما يسمى بالإرهاب، ما هي إلا حرباً على (الإسلام) كدين وعقيدة، لا يُراد له أن يخرج خارج حيز الطقوس والمساجد، فأصبحت الصلاة على النبي (ص) مؤامرة شيطانية إخوانية خبيثة، ولا أفهم كيف يكون الشيطان طرفاً محرضاً على الصلاة على النبي أو ذكر الله عموماً وهو من لا يدخر وسعاً ولا جهداً ولا وسيلة تلهى عن ذكر الله، أو أي عملٍ يقربنا إلى الله عز وجل؟؟!!
وأصبح في زمن الانقلاب الدعاء على الظالم أو الحديث عن الظلم من قبيل الممنوعات والمحظورات، بل وصل الأمر إلى غلق المساجد بعد تحرقيها بمن فيها، وكل ذلك تحت رعاية الأزهر الشريف وشيخه الأكبر وعلماءه الأجلاء الذين سكتوا عن كل ما يُغضب الله، ولمّا نطقوا لم ينطقوا إلا بما يُرضى السلطان إلا من رحم ربك.
بعد مرور عام على الانقلاب تصدر المشهد كلُّ ناعق ومنتفع ومنافق ومتلون وراقص ومشبوه ورويبضة، من أراذل القوم من فلول عهود الفساد والانحلال، بينما تم زج الشرفاء والمناضلين والعلماء والطلاب وأطهار المجتمع نساءً ورجالا حتى الأطفال والصبية في السجون والمعتقلات، لينالوا أشد أنواع التنكيل والتعذيب والاغتصاب، فالحرية للمخمورين والحشاشين والمنحرفين أخلاقياً وفكرياً، الراقصين منهم والراقصات والويل كل الويل لكل من نادى بالحرية والعفة والأخلاق، والثبور وعظائم الأمور لكل من جهر بذكر الله المنّان أو صلّى على النبي العدنان.
بعد مرور عام على الانقلاب فطن الأحرار فقط من الشعب المصري من يقف مع حريته من دول وأنظمة عربية ودولية، ممن يدفع الأموال كي يقتله في الشوارع والميدان ، فقد أدرك الأحرار أن دولة الكيان الإسرائيلي الصهيوني تدعم الانقلاب وقائده الجنرال، لأن محمد مرسى معاد لإسرائيل بما يخالف مصالحنا (هكذا قال السفير الأمريكي في القاهرة)، ممن ينحاز مع همومه وأحلامه من دول أخرى وأنظمة عربية (قطر وتونس) وغير عربية(تركيا).
بعد مرور عام على الانقلاب، صار فيه الجيش دولة فوق الدولة، يحكم ويملك الأرض وما عليها، ما جعله أقوى من ذي قبل حيث يتحكم في السياسة والاقتصاد والتعليم والدين أيضاً، وكل شيء من جانب ، وأصبحت الكنيسة دولة داخل الدولة من جانبٍ آخر، فلا يجرؤ أحد على محاسبتها على تدخلها السافر في السياسة وتوظيفها للدين بما يخدم مصالحها المشتركة مع الانقلاب ، ولا أحد يتدخل في مخصصاتها المالية من أين وفيم تنفقها؟؟!! ولا أحد يجرؤ أن يطالبها بتغيير أو تجديد خطابها الديني!.
وما بين الجيش الحاكم والكنيسة المشاركة في الحكم، أغلبية مسلمة لشعبٍ تتم دهس هويته الإسلامية تحت جنازير الدبابة العسكرية، بمشاركةٍ كنسية وتواطؤٍ أزهري مثير ومخجل لتظل مصر وطناً وشعباً رهينة الفساد والغزو الفكري الدخيل، مقطوعة الصلة بدينها وربها(هكذا أرادوها) لكن الله غالبً على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.