ربما كان الهجوم الإرهابي الذي استهدف منفذ
الوديعة الحدودي بين اليمن والمملكة العربية السعودية، هو التطور الأبرز في نشاط ما يُعرف بتنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب، وأول
غزوة قاعدية على المملكة انطلاقاً من عرين التنظيم في اليمن، وعلى الرغم من خطورة ما أقدمت عليه القاعدة بالنسبة لمصالح المملكة في الوديعة والشرورة، فإن الخطر الأكبر لهذا التنظيم ما زال منصباً على الجار الأفقر والأقل شأناً، اليمن.
لم يكن اليمن ليصبح عريناً حصيناً للقاعدة لولا وجود الخواء والمناطق الرخوة، والسيطرة الأمنية الهشة، وهي العوامل الناتجة عن حالة عدم الاستقرار السياسي، التي تخللتها متاجرة علنية بإرهاب القاعدة وتوظيفه في إطار مشروع التشبث بالسلطة الذي هيمن على مرحلة نظام الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح.
لطالما ترسخت لدي قناعة بأن تنظيم القاعدة، هذا الكيان الهلامي الذي يتمدد في أجزاء واسعة من اليمن، لم يكن نتاج نشاط إرهابي قائم بذاته ويعتمد على القدرات الخاصة لعناصره، وعلى موارد ذاتية بحته، ويخضع حصرياً لتوجيهات قيادته المفترضة، هناك في المخابئ التي تأوي الظواهري ومساعديه، بقدر ما هو نتاج تقاطع في المصالح السياسية محلية وإقليمية، رأت في التنظيم وسيلة مهمة لترسيخ مشروعيتها ولإدامة بقائها في السلطة.
هناك تلازم بين ظاهرة تنظيم القاعدة وما كشف عنه الرئيس اليمني، والمتصل بنشاط تجارة وتهريب المخدرات عبر الأراضي اليمنية، في حالة عجيبة من خلط الأوراق، حيث تتشابك المصالح بين مراكز القوى والنفوذ السلطوية وقيادات القاعدة، وينخرط الجميع في مهمة قذرة لتجارة وتصدير الإرهاب والمخدرات، وجني أرباح طائلة منها، وبحيث يمثل كل نشاط غطاء للآخر ومبرراً لوجوده معاً.
إن المؤشرات العديدة التي حدثت في اليمن خلال الفترة الماضية تُبرهن على أن القاعدة مشروعٌ أمني سياسي مشتركٌ تتقاسمه القاعدة التقليدية ونظام الرئيس السابق، أهمها: الهروب الجماعي للعشرات من سجون الأمن السياسي في صنعاء وحضرموت عامي 2006 و2011، وإخراج العشرات من سجناء التنظيم في سجن الأمن السياسي في عام 2011 أيضاً، وتسهيل وصولهم إلى محافظتي أبين وشبوة، حيث تم إسقاط أبين وأجزاء من شبوة من قبل أنصار الشريعة التابع للقاعدة، بتواطؤ مفضوح من قادة الجيش الموالين لصالح.
لم تنعدم الدلائل يوماً عن استمرار التعاون بين تنظيم القاعدة وبقايا النظام السابق، على قاعدة التوظيف السياسي نفسها، ولكن في محاولة لإسقاط النظام الانتقالي واستعادة السلطة. ولعل ما يعزز منطق التوظيف السياسي للقاعدة، النتائج التي خلُص إليها يوم أمس الأول خبراء الأمم المتحدة المعنيين بتطبيق قرار مجلس الأمن رقم(2140) من أن تنظيم القاعدة هو التهديد الأبرز للتسوية السياسية في البلاد.. نعم تنظيم القاعدة خطر حقيقي، لكن عملياته الأخيرة في حضرموت ومن ثم في منفذ الوديعة على الجانب السعودي من الحدود، لا تؤشر سوى على غاية سياسية واحدة، وهي توفير الغطاء للعمليات العسكرية الشرسة التي تخوضها الجماعة الحوثية المسلحة وحلفاؤها من أنصار النظام السابق في شمال العاصمة اليمنية، بغية السيطرة على تلك المنطقة تمهيداً لتطويق العاصمة وإسقاطها وإسقاط التسوية والدولة والنظام الانتقالي في اليمن ومعه إرث ثورة التغيير.. وهنا يتساءل المرء: إن لم يكن هذا خطراً على التسوية السياسية فما هو الخطر إذاً.
إن تنظيم القاعدة يقوم بعمليات يغلب عليها طابع الكر والفر، ومساحة أهدافه محدودة، صحيح أنها مؤثرة، لكن القاعدة ليست كتائب مسلحة بكل أنواع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة عدا الطيران، كما هو الحال بالنسبة للجماعة الحوثية المسلحة، التي تقاتل الجيش في محافظة عمران وفي المناطق المحيطة بالعاصمة.
لقد بات واضحاً أن ما تقوم به الجماعة الحوثية المسلحة وأنصار الرئيس المخلوع صالح، مع إسناد إقليمي، هو إقامة دولة طائفية متوترة وعدائية في شمال الشمال، على رأس أولياتها هدم كل منجزات اليمنيين في الوحدة والتطور السياسي، والحيلولة دون بلوغهم مشارف التحول نحو الدولة الاتحادية الديمقراطية متعددة الأقاليم، وهو هدف يرضي الموتورين من الربيع العربي، لكنه يعبر بشكل أوضح عن مشروع إيران الذي يريد تقسيم المنطقة وإبقائها رهن التوتر والصراعات الطائفية، تجسيداً لنظرية المهدي المنتظر التي باتت المعلم الأيديولوجي الأكثر سواداً في سماء منطقتنا هذه الأيام.