على هامش "مؤتمر إسرائيل للسلام" الذي يعقد في تل أبيب اليوم بمبادرة من صحيفة هآرتس تقدم الرئيس الفلسطيني محمود عباس والأمير السعودي تركي الفيصل بمقالات للصحيفة، أظهرا فيها أن لإسرائيل شريك لاتفاق السلام، يقوم على أساس مبادرة الجامعة العربية وتقسيم البلاد إلى دولتين؛ إسرائيل وفلسطين.
وقالت الصحيفة إلى أن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ورفاقه في قيادة الدولة يجب أن يستجيبوا للتحدي وان يظهروا بأنه يوجد للتسوية أيضا شريك إسرائيلي.
كما أشارت الصحيفة في افتتاحيتها الثلاثاء، إلى أن إسرائيل تخلت عن خيار السلام، وبحسب الوضع الراهن، اتسع المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية، وعلى الأرض تثبت نظام تمييزي لقانون واحد لليهود وقانون آخر للفلسطينيين.
كما تبذل إسرائيل – بحسب الصحيفة - جهودا كبيرة في دحر السكان
الفلسطينيين إلى مناطق "أ" و "ب" لإخلاء مكان لمزيد من المستوطنين وبدأ الاحتلال ينتشر في داخل الخط الأخضر على شكل محاولات لتفكيك النظام الديمقراطي، وقمع التعبير السياسي للوجود السكاني العربي، والتضييق على خطى المكافحين في سبيل حقوق الإنسان.
وأضافت الصحيفة: "فقط التسوية السلمية مع الفلسطينيين، والدول العربية، سيضمن وجود إسرائيل في المنطقة كدولة ذات حدود معترف بها، ويحفظ طابعها كديموقراطية مع أغلبية يهودية. لا يوجد سبيل آخر لتحقيق أهداف الصهيونية، إلا سبيل الحوار، التسويات والحل الوسط مع الجيران".
وفيما يلي مقال عباس المنشور في هآرتس:
بقلم: محمود عباس (أبو مازن)
لم تكن رؤيا السلام الفلسطينية قط أوضح مما هي الآن
رئيس السلطة الفلسطينية
مرت 26 سنة منذ أن تبنت م.ت.ف حل الدولتين بصورة رسمية. وقد اعترفت فلسطين بقرار تاريخي مؤلم بدولة إسرائيل في حدود ما قبل 1967، وتخلت عن أكثر من 78 بالمئة من مساحة الأرض الفلسطينية. واختارت حكومة إسرائيل الحالية بدل انتهاز فرصة السلام هذه أن تستعمل مسيرة السلام مثل ساتر دخان لاستمرار الاستعمار والقمع. لكننا ما زلنا نريد أن نؤمن بأن جيراننا الإسرائيليين لا يتوقعون أن يحيا الشعب الفلسطيني في نظام فصل عنصري. ولن يُقمع بالقوة طموح أمة ترجو السلام والحرية، إلى الاستقلال.
إن رؤيا السلام الفلسطينية واضحة ومرتكزة جيدا في مبادئ القانون الدولي لأننا نؤمن بأنه لا يمكن إحراز سلام عادل قابل للبقاء دون احترام حقوق الجميع، الفلسطينيين والإسرائيليين على السواء. وينبغي بحسب هذه المبادئ احترام سيادة الدولتين، فلسطين وإسرائيل، بمقتضى خط الحدود الدولية في 1967؛ وينبغي احترام حقوق اللاجئين الفلسطينيين بحسب القرار 194 الذي صدر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة.
إن التفاوض وسيلة قوية جدا للسلام، لكن يجب أن يكون له هدف معلن ومعايير معلومة. وليست حكومة إسرائيل أو فيما يتعلق بفلسطين على الأقل، شريكة في تلك الأهداف والمعايير كسائر العالم. وقد حان الوقت ليعترف العالم بحقيقة أن سياسة الحكومة الحالية في إسرائيل لا تلائم حل الدولتين، ويمكن الاستدلال على ذلك من أنه في خلال الأشهر التسعة الأخيرة للمحادثات التي تمت برعاية الولايات المتحدة، دفعت إسرائيل قدما ببناء وحدات سكنية لـ 55 ألف مستوطن جديد في المناطق المحتلة. فهل يدل ذلك على نيتها التوصل إلى سلام عادل قائم مع فلسطين؟ يُذكرنا كثيرون من أصدقائنا بالكلمات الحكيمة للرئيس المرحوم كنيدي: "لا نستطيع أن نفاوض أولئك الذين يقولون: ما لي لي وما لك يمكن التفاوض فيه". فالتفاوض سيكون بلا معنى ما استمرت إسرائيل على تعميق الاحتلال وتغيير العامل السكاني في أرضنا بغرض فرض حقائق جديدة على الأرض.
حينما حققت فلسطين حقها آخر الأمر وطلبت إلى الأمم المتحدة أن تعترف بها كدولة، لم تكن تلك محاولة للالتفاف على التفاوض السلمي. فهذا الاعتراف من 138 أمة محترمة في العالم فتح لفلسطين نافذة فرص جديدة لتطلب حقوقها وحقوق شعبها ولا سيما بواسطة إمكانية المشاركة في مواثيق متعددة الأطراف ومنظمات دولية. وتعرف القيادة الفلسطينية جيدا جملة المواثيق والمنظمات التي تستطيع فلسطين الانضمام إليها اليوم.
نحن نطلب أن يكف المجتمع الدولي عن الاختباء وراء دعوات "تجديد المحادثات"، دون أن يطلب إلى إسرائيل أن تفي بالتزاماتها. والمجتمع الدولي مسؤول عن حماية سكاننا العاجزين الذين يعيشون تحت الخوف من المستوطنين والجيش المحتل والحصار المعذِب. وينبغي اتخاذ عمل جازم يضمن ألا يتمتع المستوطنون الإسرائيليون الذين يسكنون على نحو غير قانوني في دولتنا ويستغلون أرضها ومواردها الطبيعية بنفس الخيرات التي يتمتع بها الإسرائيليون الذين يعيشون في إسرائيل. ويجب أن تكون معاملة المجتمع الدولي للحكومة الإسرائيلية متصلة بمقدار احترامها للقانون الدولي ولحقوق الإنسان.
حينما عرضت الجامعة العربية خطتها السلمية السخية، وهي مبادرة السلام العربية، ردت إسرائيل بزيادة الاستعمار. ويشمل هذا الاقتراح الذي ما زال نافذا اعترافا كاملا وتطبيعا من قبل الـ 57 دولة الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي وفي الجامعة العربية، في مقابل انسحاب إسرائيل إلى خطوط 1967 وحل عادل متفق عليه لقضية اللاجئين بحسب قرار الأمم المتحدة 194. ولن تحظى إسرائيل أبدا باقتراح أفضل للاندماج الإقليمي من مبادرة السلام العربية.
في الوقت الذي يواصل فيه المستوطنون العدوان على بيوت الفلسطينيين وعلى الكنائس والمساجد، ويواصل الأسرى معاناة معاملة سيئة في سجون غير قانونية، وتواصل المستوطنات التوسع في حين يعيش أكثر من نصف أبناء شعبنا مشتتين، وقد تلاشى احتمال التوصل إلى حل الدولتين تماما تقريبا بسبب الحكومة الإسرائيلية، ما زال الفلسطينيون الشجعان يؤدون رسالة سلام وعدل إلى إسرائيل والعالم كله.
برغم كل محاولات الإسرائيليين اضطرار أبناء شعبنا إلى التسليم بواقع الجلاء والفصل العنصري والتمتع بالحصانة من العقاب، ما زلنا نواصل السير نحو الحرية. ونقتبس من قصيدة المرحوم محمود درويش: "هنا نقف وهنا نجلس وهنا نحن دائما إلى الأبد/ لنا هدف واحد: أن نكون".
إنني بصفتي رئيس الشعب الفلسطيني ألتزم تماما برؤيا الدولتين والتطبيع والسلام مع جارتنا إسرائيل. وهذا ما دعاني إلى الانضمام إلى البابا فرنسيس – مع الرئيس بيرس – في صلاة للسلام. يريد أبناء شعبي السلام ولهذا نستمد التشجيع من مؤتمر "هآرتس"، الذي يعبر عن طموح مشابه عند إسرائيليين كثيرين مستعدين بصدق لمصالحة تاريخية. وهذا العلم يقوي تمسك أبناء شعبي بطريق السلام والمصالحة. وهذا هو واجبنا المقدس، إسرائيليين وفلسطينيين على السواء، لأبنائنا.