تصاعد الخلاف بين الجهاز المركزي للمحاسبات وعدد من الهيئات القضائية في
مصر من جديد على خلفية إصرار الأخيرة على رفض رقابة الجهاز في تطبيق الحد الأقصى للأجور على العاملين بها، تحت ذريعة أن البيانات الكاملة عن دخول هؤلاء العاملين لدى وزارة المالية، فيما يصر الجهاز على ضرورة موافاته بتلك البيانات.
وفي أحدث بيان له الأربعاء، أكد الجهاز أنه "صاحب الولاية العامة في مراجعة ما يصرف للعاملين في الدولة من أجور، ويختص وفقا لأحكام المادة الخامسة من قانون الجهاز بمراجعة ما يتعلق بالمرتبات، والأجور كافة، وما في حكمها، للتثبت من مطابقتها للموازنة العامة والقوانين، واللوائح، والقرارات".
وقال البيان إن الهدف من ذلك التحقق هو الوصول إلى نتيجة مؤداها التزام الجهات المعنية بالالتزام بالحد الأقصى للدخل، ومعالجة ما قد يكتشف من تجاوز، وهو الأمر الذى لا يصح معه لأي جهة خاضعة لأحكام هذا القانون القول بأنها لن ترد على الجهاز لأنه غير مختص لمخالفة ذلك للقانون.
وطالب الجهاز جميع المؤسسات بالدولة بالتعاون على إنفاذ القانون "تحقيقا للصالح العام"، مشيرا إلى أنه واجه معوقات من بعض الجهات، وعدم تعاون تام من البعض الآخر، وأن أحد مسؤولي هذه الجهات صرح بأنه لن يرد على الجهاز.
وكان جنينة أعلن في وقت سابق رفض خمس هيئات قضائية (قضايا الدولة، ومجلس الدولة، ومحكمتا النقض والاستئناف، والنيابة العامة) موافاة الجهاز بمعلومات عن رواتب
القضاة أعضاء كل هيئة، لمعرفة حقيقة تجاوزها الحد الأقصي للأجور من عدمه.
تهديد قضائي بالتصعيد
في المقابل، هددت هيئات قضائية عدة بالتصعيد تجاه ما أسمته "ادعاءات جنينة لتشويه صورة هذه الهيئات وقضاتها"، مطالبة بإعلان رئيس الجهاز ذاته لراتبه أمام الرأي العام، والجهة التي تراقب ميزانية الجهاز، ورواتب العاملين فيه بمختلف درجاتهم، بدلا من الحديث عن رفض الخضوع للمراقبة، وتحريض الرأي العام ضد جهات ومؤسسات هي الأجدر بتطبيق القانون"، بحسب هذه الهيئات.
وبينما رفضت محكمة النقض التعليق علي تصريحات جنينة؛ يناقش مجلس الدولة في اجتماعه المقرر السبت الرد علي ما صرح به رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات.
وكان جنينة صرح لجريدة "الوطن" الأربعاء بأن الحد الأقصى للأجور قانون، لكن بعض الجهات القضائية التي تنفذ القانون هي أول من خالفه"، على حد تعبيره.
ومن جهته، صرح المتحدث باسم جهاز
المحاسبات محمد زكي، بأن الجهاز يراقب الميزانية العامة للدولة، والرواتب جزء لا يتجزأ منها، مشيرا إلى أنه وفقا لقانون الجهاز يحق لرئيس الجمهورية تكليفه بمراجعة أي بيانات تطلب منه، وإعداد تقرير حولها.
وكان رئيس الحكومة المصرية ابراهيم محلب زار مجلس
القضاء الأعلى قبل أيام، وبحث مع رموزه رفض السلطه القضائية تطبيق الحد الأقصى للأجور.
وشدد على أن الدولة بكل مؤسساتها تحترم القضاء ورجاله، وأنها لن تكرر أخطاء السابقين بالتدخل في الشان القضائي، على حد تعبيره.
وفي المقابل، أكد المجلس أنه لا يمانع فى إطلاع الجهاز المركزي للمحاسبات على الكشوف الخاصة برواتب القضاة لبيان مدى التزام محكمتي النقض والاستئناف بالحد الأقصى للأجور، لكن وزارة المالية هي المختصة بتطبيق القانون، ولديها التفاصيل الكاملة عما يتقاضاه القضاة من رواتب، وبدلات.
وقالت مصادر داخل المجلس -في تصريحات صحفية- إن القانون الجديد يلزم وزارة المالية فقط بأن تتحق من عدم تجاوز القضاة وغيرهم من العاملين بالدولة الحد الأقصى للأجور، مشيرة إلى أن نقطة الخلاف بين الرئاسة ومؤسسة القضاء هي السماح للجهاز المركزي للمحاسبات برئاسة المستشار هشام جنينة بالرقابة على القضاء وميزانيته.
حقيقة الرواتب
إلى ذلك، كشفت جريدة "التحرير" الصادرة الأربعاء النقاب عن حجم الرواتب التي يحصل عليها كبار القضاة، مؤكدة أن مرتبات وزير العدل ورئيس المحكمة الدستورية ونائبه الأول غير معلومة، وأن دخل أي عضو بمجلس القضاء الأعلى لا يقل عن 70 ألف جنيه شهريا.
وأكدت الصحيفة أن بعض الهيئات القضائية يماطل حتى الآن في تقديم البيانات المطلوبة للجهاز المركزي للمحاسبات، مرجعة ذلك إلى أن مرتبات من يتولون المناصب العليا في هذه الهيئات، وتحديدا أعضاء المجالس الخاصة، تتجاوز الحد الأقصى، وبالتالي يقع عليهم ضرر من تطبيق الحد الأقصى للأجور، وهو ما يفسر امتناع رئيس محكمة استئناف القاهرة السابق المستشار نبيل صليب، قبل رحيله بسبب تقاعده، عن تقديم البيانات الخاصة بالمرتبات بالمحكمة، وكذا النائب العام، وأيضا قضاة المحكمة الدستورية العليا.
وطبقا للجريدة، كشف جدول رواتب القضاة عن أن دخل كل عضو من أعضاء مجلس القضاء الأعلى لا يقل عن 70 ألف جنيه شهريا، وأن راتب المستشار بدرجة رئيس محكمة استئناف في المحكمة الدستورية العليا يصل إلى 65 ألف جنيه شهريا.
وأضافت "التحرير" أن الرقم المخصص فى الموازنة للعام الماضي 2013/ 2014، للمحكمة الدستورية بلغ 85 مليون جنيه، في حين أن إجمالي عدد العاملين بالمحكمة من الموظفين 120 موظفا، وعدد المستشارين بالمحكمة (الأعضاء + هيئة المفوضين) يصل إلى 20 مستشارا فقط.
وأضافت الجريدة أن راتب المفوض بالمحكمة الدستورية يبدأ من 35 ألف جنيه شهريا، وهو على درجة تساوى رئيس محكمة من الفئة "أ"، بينما يصل راتب نواب رئيس المحكمة إلى 75 ألف جنيه، أما رئيس المحكمة ونائبه الأول فمرتباتهما ترتفع عن ذلك، بالإضافة إلى تخصيص سيارة بسائقها لكل مستشار بالمحكمة.