ما أكثر التصريحات المستفزة التي ينطق بها الانقلابي عبد الفتاح السيسى في كل مرة يخرج فيها على جمهوره، أسير الاستبداد على حد تعبير الكواكبي، بخطاباته المسجلة دائما، والتي كان آخرها حديثه عن ثورة
يناير الشعبية المجيدة في ذكرى 23
يوليو التي أسست لحكم العسكر، التي كان انقلابه الدموي ضدها وضد شرعيتها الدستورية ونظامها السياسي الذي أقرته، على أنها امتدادا لما تعارف على تسميته فيما بعد بثورة 23 يوليو عام 1952م.
والحقيقة أنه لم يكن أول القادة العسكريين الذين حاولوا تمرير هذا الحديث المستفز للتعبير عن ذلك الامتداد الشاذ والغير حقيقي ،فقد سبقه إليه من قبل المشير حسين طنطاوي في أول احتفال سنوي لثورة 23 يوليو، عندما كان على رأس المجلس العسكري الحاكم بموجب تفويض الرئيس المخلوع من قِبل الشعب الثائر، في وقت كانت فيه الثورة ما تزال في الشارع وحضن الشعب، الذي انخدع معظمه في رواية رسمية ثبت يقينا زيفها فيما بعد، عندما قيل إن الجيش حمى الثورة، التي اتضح بعدها بأن الحقيقة هي أن المجلس العسكري قام بحماية الجيش من الثورة التي كانت ستصل إليه لا محالة لو استمرت في الميدان ولو ساعة أخرى، فضلا عن حماية المجلس العسكري لنفسه بصفته الجناح الأهم من أجنحة النظام الحاكم الذي قامت ضده الثورة .
وبدون الدخول في تفاصيل ذلك اليوم الغريب والعجيب أيضا في تاريخ الثورة
المصرية ،يوم التنحي المسموم والتكليف المشئوم، في الحادي عشر من فبراير من عام 2011م ، يبقى التساؤل عن حقيقة ذلك الامتداد الوهمي بين ثورة و"ثورة" أخرى كما يسميها أصحابها، رغم اختلافهما في كل شئ ، فكيف تكون ثورة 25 يناير الشعبية الخالصة امتدادا لتلك الحركة الانقلابية العسكرية والفئوية التي قبلها الشعب وسماها ثورة، وناضل من قبلها عقودا طويلة، انقلبت ضده تلك الحركة بعد انتصار أحد أجنحتها على الآخر في أزمة مارس1954م، التي أسست لما يطلق عليه الآن حكم العسكر أو جمهورية الضباط ؟ كيف تكون يناير امتداد يوليو وهي في الأصل قامت ضدها ؟!
كما أنه لا يخفى على أحد بأن الرئيس المخلوع حسنى مبارك لم يكن له نظام سياسي خاص به، بل جاء على نظام قائم بعد يوليو قد تختلف أشكاله وصوره دون اختلاف أسسه وقواعده، التي أعادت دورتها من جديد ،بعد ثلاثة أعوام فقط من ثورة يناير، وأخرجت لنا الانقلابي كما أخرجت المخلوع من قبل، فالرئيس المخلوع الذي شهد على نفسه بأنه رجل الصدفة بامتياز، حيث أنه ما كان يحلم بعد انتهاء خدمته في الجيش إلا بعمل مدني في بلد الاكسلانسات "لندن"على حد قوله، فوجئ بسلفه يختاره نائبا له ،لمواصفات يتمتع بها الرجل بما يجعله مطيعا وخانعا وغير متمردا، وهذا ما ابتلى به الشعب المصري على مدى ثلاثة عقود من حكم رجل الصدفة.
حتى قامت ثورة الشعب في يناير، إضافة إلى أن الأهداف الستة التي أعلن عن تحقيقها من القائمين على أمر يوليو لم يتحقق منها شئ على الإطلاق ،الأمر الذي جعل تلك الحركة ما هي إلا حركة تغيير، استبدلت نظام الحكم الملكي والقصر بحكم نظام المماليك وأمراء العسكر، واستبدلوا الإقطاعيين والباشوات، بالرأسماليين والضباط ، وحتى وإن كانت يوليو في بداية عهدها ومحاولة التمكين لها كانت على أساس رعاية الفقراء على حساب الأغنياء، فإن مع ما حدث مع الفقير بعد بضع سنوات فقط من قيام يوليو لا يسأل عنه إلا هي ولا يحمل تاريخيا إلا عليها، وإن أدعى البعض بأن شكل النظام الحاكم قد تغير لأن جوهره ومضمونه وقواعده بقيت كما هي حتى قامت ثورة يناير .
من ناحية أخرى، فلا وجه للتقارب ما بين ثورة يناير التي تكونت لإسقاط منظومة الاستبداد، وتأسيس قواعد الحكم الديمقراطي، وتحقيق العدالة الاجتماعية بين كافة المواطنين، وتأسيس دولة القانون، وإنهاء حكم جمهورية الضباط ، وبين حركة انقلابية بحسب الأصل باركها الشعب ثم انحرفت بعد ذلك لتأسيس الدولة العسكرية القمعية التي لازلنا نعانى منها إلى الآن ،خاصة بعد عودتها كاملة بصورة أكثر سوءا وقبحا مما كانت عليه في نسختها الأولى .
ومن الغريب أن العسكر في تلك المحاولة البائسة التي يحاولون من خلالها الربط بين يناير ويوليو، يتناسون دائما أن لديهم "ثورة تسمى بثورة 30 يونيو "، فلماذا لا تكون الأخيرة هي الامتداد ليوليو وليس يناير، خاصة إذا كانت قد حققت في نتائجها ما حققته يوليو وزيادة ؟!.
لماذا يصرون على حشر أنفسهم في ثورة يعبرون أحيانا عن نظرتهم لها بأنها كانت مؤامرة خارجية كونية، لماذا يتمحكون دائما في ثورة يناير التي حضروا لها سهرة 30 يونيو الانقلابية ليجهزوا عليها للأبد ؟ خاصة إذا كانت "ثورة" خالصة لهم من دون الناس ،تحضيرا وإعدادا وتنفيذا وتأمينا ،ولهذا فهي عندنا انقلابا وستبقى للأبد، ولو كان قد حضر تلك السهرة الشهيرة في 30 يونيو الأسود على مسرح السلطة المتمردة ملايين من البشر.