يقول ديفيد كيرباتريك مراسل صحيفة
نيويورك تايمز إنه "قبل عامين تقريبا عندما هاجمت
إسرائيل غزة وجدت نفسها تتعرض للضغط من كل الأطراف والجيران
العرب لوقف القتال ولكن ليس هذه المرة".
ويضيف "بعد الانقلاب العسكري على الحكومة الإسلامية في القاهرة العام الماضي تقود مصر تحالفا جديدا من الدول العربية- يضم السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن، وقف بشكل فعلي مع إسرائيل ضد حماس، الحركة الإسلامية التي تسيطر على قطاع غزة، وهو ما أسهم في فشل اللاعبين في الحرب للتوصل لوقف إطلاق النار بعد أكثر من 3 أسابيع من الحمام الدموي".
ونقل ما كتبه ديفيد أرون ميللر، المفاوض السابق والباحث في معهد ويلسون في واشنطون "مقت وخوف الدول العربية من الإسلام السياسي تفوق على حساسيتهم تجاه بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي".
وأضاف "لم أر موقفا مثل هذا، يقبل فيه هذا العدد الكبير من الدول العربية ضمنا موت وتدمير غزة وضرب حماس".
ومع أن مصر تعتبر تقليديا وسيطا رئيسيا في أي محادثات مع حماس إلا أن حكومة القاهرة فاجأت حماس هذه المرة باقتراح وقف لإطلاق النار تجاوب مع كل مطالب إسرائيل، ولكن ليس مع أي مطلب من مطالب حماس. وعندما رفضت الحركة المقترح وصمت بالتعنت وظلت مصر متمسكة بأن مبادرتها هي نقطة البداية لأي نقاش لوقف إطلاق النار.
ولكن المعلقين المتعاطفين مع الفلسطينيين هاجموا المبادرة بأنها حيلة لإحراج حماس، فيما أثنت عليها الدول الحليفة لمصر. فقد اتصل العاهل السعودي الملك عبدالله في اليوم التالي على إعلان المبادرة مع الرئيس عبد الفتاح السيسي للترحيب بها. وقال مكتب السيسي في بيان إن المكالمة لم تلق اللوم على إسرائيل بل أشارت إلى "نزيف دم المدنيين الذين يدفعون ثمن مواجهة عسكرية ليسوا مسؤولين عنها".
وبحسب خالد الجندي، المستشار السابق للمفاوضين الفلسطينيين والزميل في معهد بروكينغز في واشنطن، "من الواضح أن هناك تلاق في المصالح بين هذه الأنظمة المختلفة وإسرائيل".
ويقول الجندي إن قتال المصريين لقوى الإسلام السياسي وقتال إسرائيل المتشددين الفلسطينيين متشابه تقريبا، وتساءل "حرب وكالة من هذه الدائرة؟".
ويرى كاتب التقرير أن الدينامية الجديدة قد غيرت كل توقعات الربيع العربي. فقبل 18 شهرا توقع المحللون نشوء حكومات مرتبطة أكثر بالمواطنين ومتعاطفة مع الفلسطينيين وفي نفس الوقت عدوانية ضد إسرائيل.
وبدلا من تحول إسرائيل لدولة معزولة، فقد خرجت الحكومة الإسرائيلية من الربيع العربي باعتبارها المستفيد الأكبر من الاضطرابات في العالم العربي وحصلت على دعم تكتيكي من النظام العربي التقليدي كحلفاء في معركتهم المشتركة ضد الإسلام السياسي.
فقد حمل المسؤولون المصريون حركة حماس المسؤولية إن تصريحا أو تلميحا بدلا من تحميل إسرائيل مسؤولية موت الفلسطينيين في القتال، حتى عندما تعرضت مدارس الأونروا للقصف الصاروخي وهو أمر تكرر مرة أخرى يوم الأربعاء.
وفي الوقت نفسه استمر الإعلام المؤيد للحكومة المصرية بتقريع حماس واتهامها بكونها أداة في مؤامرة إسلامية إقليمية تعمل على زعزعة استقرار مصر والمنطقة، وهو ما تقوم به جماعة الإخوان منذ الإطاحة بالرئيس المصري المنتخب محمد مرسي قبل عام.
ويقول التقرير إن الردح الإعلامي ضد حماس، على الأقل في برامج الحوارات المؤيدة للحكومة كانت متطرفة لدرجة قامت فيها الحكومة الإسرائيلية ببث بعضها إلى غزة.
وبحسب طالبة في مدينة غزة تحدثت للصحافي عبر الهاتف "إنهم يستخدمونها للقول: أنظروا إلى أصدقائكم فإنهم يشجعوننا على قتلكم". وتضيف أن بعض البرامج المؤيدة للحكومة المصرية والتي توجه نحو غزة تدعو الجيش المصري لمساعدة الجيش الإسرائيلي للتخلص من حماس.
وفي نفس الوقت أثارت مصر حنق أهل غزة لمواصلتها إغلاق الأنفاق التي استخدمت لتهريب المواد الغذائية، واستمرار الحكومة المصرية إغلاق معبر رفح وهو ما فاقم من قلة المواد الغذائية والطبية بعد 3 أسابيع من الهجوم الإسرائيلي على غزة.
وبدا غضب أهل غزة واضحا في تصريحات صاحب محل في بيت لاهيا- شمالي غزة "السيسي أسوأ من نتنياهو، والمصريون يتآمرون علينا أكثر من اليهود"، وأضاف "لقد أنهوا الإخوان المسلمين في مصر والآن يلاحقون حماس".
وتضيف الصحيفة أن مصر والدول العربية خاصة دول الخليج، السعودية والإمارات تحديدا، تجد نفسها متحالفة مع إسرائيل ضد إيران التي تعتبر قوة إقليمية والتي دعمت حماس وسلحتها في السابق.
وترى الصحيفة أن التحالف الجديد والتحول في المحاور يشكل تحديا للولايات المتحدة التي تحاول التوصل لوقف الحرب.
ومع أن المخابرات المصرية تواصل اتصالاتها مع حماس كما فعلت في عهد حسني مبارك ومحمد مرسي، إلا أن العداء المستحكم ضد حماس يضع الكثير من الشكوك حول فعالية هذه القناة خاصة بعد رفض المبادرة المصرية.
وهذا يفسر توجه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لكل من تركيا وقطر كقناة وساطة بديلة عن مصر نظرا لعلاقتهما القريبة مع حماس.
لكن التحرك وضع كيري في وضع صعب واتهم من قبل البعض بكونه أقل عدائية من حماس وبدأ اقل تعاطفا مع إسرائيل.
وبالنسبة لصقور إسرائيل فالتغير في مواقف الدول العربية كان لحظة مهمة، فبحسب مارتن كريمر، مدير كلية شاليم في القدس "القراءة هنا تشير إلى أنه بعيدا عن حماس وقطر، فالدول العربية إما غير مهتمة أو مستعدة للمشي وراء مصر". مضيفا "لا أحد في العالم العربي يدعو الأمريكيين لوقف الحرب "الآن" كما فعلت السعودية في حالات قمع أخرى قامت بها إسرائيل ضد الفلسطينيين، وهو ما أعطى الفلسطينيين مخرجا".
ويعتقد كريمر أنه في ظل تصاعد المشاعر المعادية للإسلاميين فالحكومة المدعومة من العسكر في القاهرة وحلفاء الحكومة المصرية الجدد مثل السعودية يعتقدون أنه يجب على الفلسطينيين تحمل المعاناة من أجل هزيمة حماس "ويجب أن لا يسمح لحماس بالانتصار ويجب أن لا تخرج من الحرب كأهم وأقوى لاعب فلسطيني".
ويرفض المسؤولون المصريون توصيف العلاقة مع غزة وموقف مصر باعتبارها متحالفة مع إسرائيل. ويؤكدون أنهم يقومون بعمل ما بجهدهم لدعم غزة ولعب دورهم التقليدي. وبحسب دبلوماسي مصري بارز "حماس ليست غزة وغزة ليست فلسطين".
ولاحظ المسؤولون أن الجيش المصري وبالتعاون مع الهلال الأحمر المصري قاموا بنقل المواد الطبية لغزة، كما لا تزال مصر تحتفظ بقنوات اتصال مع حماس وتسمح للقيادي في حركة حماس موسى أبو مرزوق بالإقامة في القاهرة.
ويرى محللون أن مصر وحلفاءها العرب يحاولون موازاة كراهيتهم لحماس بالاستجابة للمشاعر المؤيدة لفلسطين في بلادهم. وستجد هذه الدول نفسها في مواجهة مع مواطنيها مع استمرار الذبح والقتل في غزة.
ويقول الجندي إن بندول الربيع العربي قد قفز لصالح إسرائيل مثلما قفز في الاتجاه المعاكس. "لكنني لست متأكدا من أن القصة انتهت عند هذه النقطة".