حمل مجسمات لصواريخ كتائب القسام في مظاهرات منظمة في الشارع ببلد كالأردن بدون شك سلوك «مراهق» يمكن الإستغناء عنه ولا مبرر له وإن كان بكل الأحوال سلوكا فرديا تمثيليا له علاقة بمظاهر العز والكرامة التي شعر بها مواطنون اردنيون وهم يؤسسون لمحاكاة على قاعدة «أضعف الأيمان».
مثل هذا السلوك الفردي ينبغي أن لا يؤسس لمحكمة جديدة تحريضية أكثر بؤسا ضد الأخوان المسلمين من طراز تلك التي تمتلىء بها صحف الحكومة الرسمية ومن والاها على قواعد التضليل والكذب وإختلاق المعلومات وفبركتها.
الأخوان المسلمون في الأردن نظموا مهرجانا خطابيا في ساحة واحدة شارك به 15 الفا من المواطنين المتحمسين وإنتهى دون ضجيج وإحتكاك ولا حتى مشكلة واحدة ..مظاهر الصرامة في التنظيم كانت بادية في هذا النشاط الجماهيري حيث لم يشتك مشارك على آخر ولم يحتك متظاهر بغيره ولم تحصل أي إعتداءات من أي نوع في المكان لا على الملكيات الخاصة ولا على العامة.
لم يتواجد في المكان إلا بعض رجال شرطة السير ولم تجد قوة تراقب عن بعيد من الدرك سببا للتدخل في الوقت الذي تحتاج فيه بعض المشاجرات في الأعراس بعمان وغيرها لحملات أمنية تكلف أصغرها عشرة الاف دينار.
سبق ان تجمع مواطنون أردنيون وأطلقوا الرصاص في الهواء تضامنا مع قطاع غزة وتفاعلا مع صور الأطفال القتلى والجرحى على يد العدو البربري في هجمة من السذاجة الإعتقاد بانها لا تمس بالأمن الوطني والقومي الأردني لأن كل شهيد في فلسطين يقام له مقر عزاء في مدينة أردنية وتلك حقيقة جغرافية وديمغرافية لم يعد من الممكن إنكارها.
العدوان كان بشعا للغاية وإجراميا بكل معنى الكلمة وعلى الحكومة بالأردن أن تدرك بأن مثل هذه الوضاعة والبشاعة تؤثر في وجدان الشارع الأردني وبروز حركات تمثيلية من طراز صناعة مجسمات لصواريخ القسام شيء طبيعي بل تمثل رغم مراهقتها وعدم الحاجة لها الحد الأدنى من التعاطف الجماهيري.
لا يمكن سياسيا تحميل مثل هذه المظاهر الشارعية مسؤولية مسلسل التضليل الذي عرض فجأة مجددا في الإعلام الرسمي الأردني حول الأخوان المسلمين ليقدم لنا وجبة إضافية على الإعلام البائس الذي يتحرك فجأة بالإيعاز لنفاجأ جميعا لاحقا بان هذا الإعلام يقفز في الإنتخابات الداخلية لمؤسسات التيار الإسلامي بالمتشددين أو من حيكت المقالات ضدهم إلى اعلى المراتب.
للأسف تورط الإعلام المركوب في الأردن مؤخرا بنفس المشهد وبنفس الأداء السقيم فمقالات
كتاب التدخل السريع التي بالغت في توجيه الإتهامات للأخوان المسلمين أجهزت على تفاهمات بعيدة لتسليم قيادة حوب جبهة العمل الإسلامي للجناح المعتدل وكانت ردة فعل الكادر الأخواني التصويت لنفس الجناح الذي تكتب ضده المقالات وتقدم له خدمات إنتخابية مجانية.
لا أعرف سببا يدفع المؤسسة الإعلامية الرسمية لإرتكاب نفس الحماقة للمرة الرابعة على التوالي منذ عام 2005 والمواطن الأردني ببساطة لا يتأثر بمقال بائس نشر هنا او هناك مليء بالإفتراءات والفبركات والتحريض وثقافة الكراهية ولاحظنا معا كيف يحتفظ الأخوان المسلمون بقدرتهم على الإستقطاب الجماهيري في الشارع كلما إشتدت حملات بعض الصحف ضدهم .
لذلك هذه الحملات عبثية والأكثر إنتاجية منها العمل وفورا على الإنتقال للخطة البديلة التي يقترحها قيادي عاقل وراشد من وزن الشيخ مراد العضايلة وهو يتحدث عن الأسباب التي تحول دون الحوار والعمل مجددا على المشاركة السياسية بقواعد لعب نظيفة بعدما أظهر التيار الأخواني عشرات المرات ميلا شديدا للحفاظ على الإستقرار.
أكثر القيادات الأخوانية تطرفا لا تتحدث عن السعي للضغط على النظام أو العمل ضده وقيادات كثيرة تتفهم حتى إتفاقية وادي عربه وإلتزامات الدولة الأردنية والمطلوب دائما وأبدا هو فقط التحاور مع القوة الأبرز في المجتمع الأردني والإمتناع عن إستيراد السيناريو السعودي التحريضي ليس فقط لأنه غير منتج وغير ضروري وغير فعال .
ولكن أيضا لأنه يعبث بالإستقرار الداخلي والإجتماعي الأردني مجانا ويطيح ببؤر الرشد والعقلانية في تنظيمات الأخوان المسلمين لصالح المتشددين والمتطرفين بدليل مشاهدة ما تفعله داعش وأخواتها على حد تعبير الشيخ العضايلة .
الأخوان المسلمون كانوا موجودين وبقوة وفي الدرجة الثانية في المجتمع الأردني طوال 70 عاما ولعدة عقود كانوا شركاء للنظام السياسي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ولا مبرر بظل هذه الحقائق لحملات التحريض والكراهية ضدهم خصوصا تلك التي يطرزها كتاب مراهقون وصحافيون صغار لا خبرة لهم يتم الزج بهم في أتون هذا الإستهداف غير المبرر كحطب تبتلعه نيران المصداقية .
شكلت مؤسسات الأخوان المسلمين طوال عقود رديفا مهما للدولة يعفيها من تقديم الكثير من الخدمات في المجال النقابي والخيري لنحو 20 % من السكان على الأقل ومن يقدم مثل هذه الخدمة من الطبيعي أن يتميز بقدرة تصويتيه في الإنتخابات تصل إلى نحو 30 % من قوة المجتمع التصويتية فعلى ماذا يختلف القوم وعلى اي أساس يحذرون او يطرح بعضهم قصة حل الجماعة وترخيصها كجمعية خيرية بعدما إرتدت نفس الثوب لأكثر من 60 عاما؟.
لم يدخل الكتاب والمثقفون ثقال الوزن على خط المعركة الإعلامية التحريضية الحالية في عمان ضد الأخوان المسلمين لا بل يرفض كثيرون من خصومهم السياسيين الذين أعرفهم انا شخصيا مثل هذه الحملات ويميزون بين أرائهم العلنية التي تقال للناس وتلك التي يمكن الإحتفاظ بها على مستوى التشاور والتناصح في الجلسات الخاصة.
لا يوجد مجال للمجازفة بالتحريض وإثارة الفتنة في وجه الأخوان المسلمين فهم مكون أساسي في المجتمع لا يمكن إنكاره يتميز بالرشد بنسبة عامة ويؤثر إيجابيا في مسارات الناس وسبق ان وقف عدة مرات في مفاصل مع النظام السياسي ورغم وجود بعض الإجتهادات التي يمكن أن تكون «غريبة او مريبة» في الصف الأخواني إلا انها تبقى إجتهادات فردية وشخصية ويمكن عزلها فقط بالحوار السياسي الوطني المنتج العقلاني.
حملات الكراهية الإعلامية البائسة لن تقدم شيئا ضد الأخوان المسلمين بل تخدم ببساطة متشدديهم وتزيد من التعقيدات التي تحول دون عودتهم للعملية السياسية .
(القدس العربي)