لم تعد قصة بائعة الكبريت قصة مؤلمة بالنسبة لأطفال سورية، حيث أن يدي "عمر" الصغيرتين والملوثتين بالمازوت لم تحملا القلم والدفتر منذ 3 أعوام، كما هي حال أخيه الذي يعمل كبائع للحطب، لأن عملهما من أجل سد قوت العائلة مدة 8 ساعات يوميا لا يتيح لهما الوقت للذهاب إلى المدرسة الابتدائية.
عائلة عمر تعيش في مدينة زملكا بغوطة دمشق بعد أن نزحوا من مدينة دوما سابقا، وتتألف العائلة من عمر الذي يعمل ببيع المحروقات وأخيه الصغير الذي يبيع الحطب والأم فقط، وسط الحصار الذي يحيط بالمنطقة والذي يجعلهم يحصلون على أدنى مقومات الحياة بصعوبة.
تقول كندة والدة عمر إن طفليـها كانا على مقاعد الدراسـة يمارسان حقهما الطبيعي بالتعليم قبل حلول الأزمة في سورية إلا أن الاجتياح الأول لمـدينتهم دوما من قبل القوات النظامية قلب الأمـور رأساً على عقب، ما أدى إلى نزوح العائلات إلى مـدن مجاورة وإبعادهم عن مـدنهم.
وبينت أنه مع تكرار برنامج النـزوح من منطقة لأخـرى بسبب الأوضاع الأمنية السيئة أدت إلى تغييب
أطفال السيدة كندا تماماً عن مدارسهم ليتلقَّفهم بعدها الجوع والحصار في مدنهم التي عـادوا إليها.
تروي كندة قصة ابنها عمر البالغ 10 سنوات والذي من المفترض أن يكون في الصف الرابع الابتدائي، حيث يعمل أكثر من ثماني ساعات يومياً في بيع المحروقات التي يقوم بجلبها من السّماسرة والتجـار الذين يحضرونه بدورهم من حواجز الأمن التابعة للنظام السوري بسبب شبه انعدامها داخل الغوطة بعد الحصار الخانق الذي فرضه النظام على المنطقة.
تتابع كندة "تصل المحروقات إلى يدي ابني بأسعار باهظة بعد انتقالها من شخص إلى آخر، اما دوره يكون الوقوف بما اشتراه على قارعة الطريق تحت القصف المروحي والهاون، منتظراً طـوال اليوم من يبتاع منه علَّه يعود إلى أمه بمئتي ليرة
سوريا وهو ما يعادل ثمن رغيفي خبز في الغوطة".
وحال أطفال كندة لا يختلف عن حال أطفال آخرين من سكان الغوطة، كعمار البالغ من العمر 9 أعوام والذي اضطر العمل كحطّاب بعد إصابة أبيه الخمسيني بقدمه، إذ يذهب عمار يومياً إلى أرض الزيتون ليقص قطع من الحطب بالمطرقة اليدوية ويعود محملاً بها إلى الباعة فيشترونها منه بثمن بخس وليرات معدودة.
يقول لنا أبو عمار إن غلاء الأسعار وصعوبة العيش والظروف القاسية التي أجبرت ابنه على العمل في سن مبكرة جداً، لكنه بالرغم من ذلك لم يسمح لابنه أن يبقى أمياً دون تعلّم، ولو كان الـتعلّم في الغـوطة الشَّرقية محدوداً فهو يومياً يرسل ابنه باكراً إلى المدارس التي قامت الـهيئات والمجالس المحلية بافـتتاحها، وذلك قبل ذهابه إلى عناء العمل.
وتابع " إلى ان طفله يتذمر من عمله ، لا سيما أن ولده يبذل جهداً كبيراً في المدرسة ناهيك عن جهد عمله في تكسير الـحطب وبيعه، حيث لا وقت لهذا الطفل الصغير للراحة فأيامه كلها جهد وعناء.
هذا بالإضافة إلى العديـد من أطفـال الغوطة الشرقية ممن لديهم آباء يعـملون ويؤمنون لهم لقمة العيش، اضطروا أيضاً لترك مدارسهم والمساعدة في أعباء المنزل، فعلى كل طفل يرزح تحت وطأة الحصار مهمة يومية يقضيها في ظل انقطاع الماء والكهرباء.
ويعمد العديد من الأهالي لإرسال أولادهم إلى غطاسات المياه والآبار القريبة لتعبئة مياه في أوعية صغيرة على مراحل كثيرة وإيصالها إلى منزلهم الذي لا يتوفر فيه الماء، حيث أنهم يقضون أكثر من ثلاث ساعات يومياً لتمكنهم من أحد تلك المهام الكبيرة الشاقة قياساً بعمرهم.
وحسب إحصائيـات أحد المراكز التعليـمية المتواجدة في الغوطة الشرقية، هناك أكثر من 50% من الطلاب في سن العاشرة أميين إذ لا يجيدون القراءة والكتابة نتيجة انقطاعهم 3 سنوات عن
الدراسة، لافتين النظر إلى آلاف الأطفال في الشوارع الذين هم في سن التعليم الابتدائي غادروا صفوفهم الدراسية نتيجة انخراطهم في سوق العمل في سن مبكرة، وباتت المدرسة بالنسبة لهم عبارة عن ذكريات أو أحلام ولا علاقة لها بصلب واقعهم المتردي.
تُـنتهك حقوق الطفولة بشتى الوسائل في سوريا حتى طالت الغوطة الشرقية في كثير من الجوانب حيث بات الأطفال عرضةً للاستهلاك المادّيّ الرّخيص، مع انعدام وجود مبادرة من أي جهة أو هيئة من الهيئات خارج وداخل سوريا لإنقاذ هؤلاء الأطفال المحاصرين والذين يواجهون جوع شديد لا يتكافئ مع حجم الطاقات والجهد الذي يبذلانه وفق ما قال الأهالي.
ولا تقل معاناة أطفال سوريا اللاجئين كثيراً عن معاناتهم في الداخل، فأطفال سوريا يعانون الأمرين في كلا حالاتهم، حيث فرضت عليهم المأساة أن يكبروا قبل الأوان ليعيلوا أسرهم في الداخل أو في الدول التي لـجأوا إليها كما هو حالهم في الأردن.
فقد كشفت دراسة منظمة العمل الدولية في الأردن عن دخول عشرات الآلاف من أطفال اللاجئين إلى سوق العمل الأردني بعد لجوء عائلاتهم إلى الأردن عام 2011، حيث يعانون من ظروف عمل أكثر قسوة من التي يعمل بها الأطفال الأردنيون.
وأشارت دراسة المنظمة إلى وجود فجوة كبيرة بين الأطفال العاملين والالتحاق بالدراسة، فيما انقطعت صلة 90% منهم بالتعليم، وقال 96% من الأطفال السوريين إنهم كانوا ملتحقين بالمدارس في ما سبق. وقالت المنظمة أن هنالك 45% من عائلات الأطفال سبب عدم ذهاب أبنائها للمدرسة إلى ضرورة أن يعمل الأطفال لمساعدة أسرهم.