ربما أربع أو أكثر.. هن عدد مرات زيارتي
المطار في
أغسطس المجيد، منتظرا ومودعا،حيث أمثل موضع لأمارس هواية نماها بداخلي صديقي المجنون..
ستحدق في وجوههم لترى عيونا مشتاقة، وأخرى مترقبة، ستجد الناعس منها والمتعب، ستسمع زفير من يقف بجانبك متذمرا، وسيضيق نفسك شهقة منتش امتصت كل ما في الفضاء من أكسجين.
سترى مكفهرين أناروا فجأة، وآخرين أظلموا دون إنذار، سترى كل ما خلق الله من معاني التعب انقلبت راحة وطمأنينة، وكل ما أوجد الباري من معاني الثبات انهارت ركاما..
ستجد طفلا يحمل ورقة تظهر ما يبدو ملامح القادم من بعيد، وطفلة تزينت قبل يوم زفافها، ستجد فيه كل معاني الخيبة حين تهترئ وسط الحقائب، وفيها كل معاني الإحباط حين تفقد إسوارتها..
سيركض أحدهم تجاه والده ليضمه فيكتفي بالسلام، وستفتح يديها لتحضنه فيزيحها..
سينزل من تحت الحاجز ليلثم يد جده قبل الجميع، وستشعر بالأسى لأنه قبّل زوجته قبلها..
سيعارك أخاه على جر حقائبه، وسترمي حملها على زوجها، سيصعدون على العربة ليدفعهم خالهم مع ما يحملون، وستنسى أطفالها حين ترى والدها.
سينظر في وجوه من ينظرون علّه يرى من لن يأتي..
ستقارع ضابط الأمن لتدخل الباب الممنوع شوقا، وسيحنق على الموظف بعد أن أطال عليه مسافة رؤية من ينتظر أمتارا لئلا يتعدى خطا على الأرض لا يريد أن يراه..
في المطار يا صديقي رهبة المعبد، وهيبة الجلال.. فيه
شوق الوطن، وحنق المحتل.. فيه فرح الجنة، وخيبة المعركة.
في المطار يا سيدي حزن الطبيب، وضيق المعتقل، ونشوة السجين، ولهفة المحارب، لوعة العاشق وفرح التلميذ، فيه قسوة الصخرة وأنين الجذع وخجل العذراء..
ستعود منه مبتلا بأنهار من دمع مصفى، جامعا كل ما حمل الكون من مشاعر في قطرة، ومؤمنا بتلف إحساس من يشاطروك الانتماء والجغرافيا..
في المطار يا صاحبي رضا الرب، وسخطه.