أوضح خبراء في أبحاث الإرهاب والمخابرات أن "تعرض بعض الشبان المسلمين في أوروبا للتوجيه الفكري نحو
التطرف، وتأثرهم بالدعاية التي تحرضهم على ذلك عبر الإنترنت، ومتابعتهم لمشاهد الأناس المظلومين باستمرار"، من بين العوامل التي تدفع الشباب إلى الذهاب لمناطق الصراعات، والانخراط في صفوف منظمات متطرفة على غرار "تنظيم الدولة"
وذكر الأستاذ أنطوني جليز، مدير مركز الدراسات الأمنية والاستخباراتية في جامعة باكنجهام، البريطانية، أن بعض الشبان المسلمين من مواليد بريطانيا أو المهاجرين إليها من دول مختلفة، يخضعون للتوجيه الفكري من قبل متطرفين، مضيفا:" الشبان البريطانيون، يجري توجيهم عبر خطابات دينية خاطئة، بشكل متعمد، من قبل متطرفين ذوي نوايا سيئة".
وأردف جليز أن هؤلاء الشباب ليسوا من الفقراء، وذوي الحاجة، ولم يتعرضوا لتمييز خطير، وأن الدعاية التي يتعرضون لها عبر الإنترنت فاعلة جدا، مشيرا إلى أن مسيرتهم نحو العنف تبدأ مع تعرفهم على أشخاص متطرفين في الحياة الفعلية، معربا عن استغرابه الشديد لتوجههم نحو التطرف، في ظل الاعتقاد الشائع بأن التعليم الجيد يمكن أن يبقي المرء بعيدا عن الإرهاب عموما.
ولفت الخبير إلى إعلان رئيس جهاز المخابرات البريطانية المعروفة باسم "إم آي 5"، " اندرو باركر"، أن عدد المتطرفين أو الأصوليين في بريطانيا يقدر بـ"بضعة آلاف"، وأنه بحسب معطيات الجهاز، فإن عدد المواطنين البريطانيين الذين توجهوا إلى العراق وسوريا للقتال في صفوف "
داعش"، نحو 500-600 شخص، عاد منهم قرابة 250 إلى بريطانيا.
أما خبير مكافحة التطرف المقيم في بريطانيا، جاهان محمود، فأشار إلى دور العنف المتواصل في الشرق الأوسط، على مدار أعوام طويلة، في جذب
المقاتلين، مبيّنا أن الذين يتوجهون للقتال هناك، يشاهدون باستمرار مشاهد أناس يتعرضون لأعمال وحشية.
واعتبر محمود أن "الآلام والمعاناة التي يعيشها المسلمون في الشرق الأوسط، تلعب دورا في رغبة مواطنين بريطانيين، بالقتال في سوريا والعراق"، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن بعض المسلمين يعتبرون القتال في الجبهات " طريقا مختصرة للوصول إلى الجنة"، على حد تعبيره.
بدوره ذكر عالم السياسية، الباحث في الشؤون الإسلامية، الألماني "تورستن غيرالد شنايدرز"، أن بعض الشبان من ذوي أصول مهاجرة في أوروبا، يتوجهون لأسباب مختلفة للقتال ضمن الجماعات الأصولية في سوريا والعراق، معربا عن اعتقاده بأن "معظمهم يتجه لذلك نتيجة فشل سياسات الاندماج، فعلى سبيل المثال لا يمتلكون عملا أو تصورا لمستقبلهم في أوروبا، وبعضهم يبحث عن العلاقات الشخصية الوثيقة التي يفتقدها في بيئته الأسرية، في بنية هذه الجماعات".
ودعا شنايدرز كافة شرائح المجتمع إلى بذل جهود للحيلولة دون توجه الشباب نحو الأصولية، مؤكدا ضرورة معالجة جذور هذه المشكلة، واتخاذ التدابير الاستباقية، إلى جانب جهود قوى الأمن في مكافحة الأصولية، و ضرورة توعية الشباب، وفهم مشاكلهم "الاجتماعية والعاطفية" في البيئة التي يعيشون فيها.
أما "ماغنوس رانستورب"، الباحث في شؤون الأصولية والإرهاب في الدانمارك، فرأى أن بعض الشباب يتجهون للقتال لأنهم يرون أن "حياتهم لا معنى لها"، واصفا هذه الفئة بـ"الخطيرة" لأنها متهيئة للتأثر بسرعة بفكر أو إيديولوجية معينة، مشيرا إلى وجود فئة أخرى تسهم روح المغامرة لديهم، بالتوجه للقتال في صفوف المتطرفين بالدرجة الأولى، أكثر من العامل الإيديولوجي، فضلا عن وجود فئة تشمل الشبان الذين ترعرعوا في أسر متطرفة، حسب توصيفه.
ولفت الباحث إلى وجود نماذج من الشباب الذين يذهبون إلى القتال في سوريا والعراق، من المندمجين في المجتمع الدانماركي، ولديهم عمل جيد، مؤكدا تأثير المواد التي يجري تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، في دفع الشباب نحو التطرف.
هذا وشدد رانستورب على أن الأمر الذي يجعل من "تنظيم الدولة" خطيرا، هو سعيه لاستقطاب شريحة واسعة من الناس، بغية تجنيدهم في صفوفه.