قبل أن تتمكن الولايات المتحدة من إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية في
سوريا، عليها أن تفوز بثقة المعارضة السنية المعتدلة التي تتهم واشنطن بأنها تركتها في وضع جعلها أقل عدة وعتادا من الإسلاميين، وأبعد من أي وقت مضى عن القدرة على الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد.
وقال الرئيس الأمريكي في خطاب حدد فيه خطته لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية الذي يسعى لتغيير خريطة الشرق الأوسط، إنه سيدعم المعارضة السورية، وإن
السعودية وافقت على خطة لاستضافة برنامج أمريكي لتدريب مقاتليها.
غير أنه بعد أكثر من ثلاث سنوات على بدء الحرب الأهلية، تكافح جماعات المعارضة التي لا تتبنى تفسيرات متشددة للإسلام لتحقيق بعض المكاسب في ساحة القتال التي تهيمن عليها الدولة الإسلامية وجبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة.
ويقول بعض الخبراء إن المعتدلين في صفوف المعارضة السورية يواجهون خطر الاختفاء تماما.
وفي بعض المناطق، خاصة في معركة حاسمة للسيطرة على حلب، تحارب المعارضة مقاتلي الدولة الإسلامية والقوات الحكومية في آن واحد.
ومقاتلو المعارضة في حاجة ماسة للسلاح؛ غير أن بعض المقاتلين على الأرض يتشككون في التحالف مع الدول الغربية التي يرون أنها خذلتهم وهم يحاربون دولة تدعمها إيران وروسيا.
وقال أحد قادة المعارضة في لواء يعمل في إطار الجيش السوري الحر: "ما الذي يدعوني لتصديق أوباما ووضع نفسي في مواجهة مع الإسلاميين، في الوقت الذي يقف فيه عدوي الرئيسي الأسد متفرجا؟".
ويسلط هذا الحذر الضوء على الصعوبات التي تواجه الدول الغربية، وهي تدرس كيفية التصدي للدولة الإسلامية في سوريا بعدما اجتاح التنظيم مساحات كبيرة من الأراضي العراقية في حزيران/ يونيو وأعلن قيام دولة خلافة.
وفي الوقت الذي تمكنت فيه الولايات المتحدة من التعاون مع الحكومة العراقية والقوات الكردية في مواجهة الدولة الإسلامية في العراق، وبدأت بشن ضربات جوية على التنظيم، فليس لها شركاء مماثلون في سوريا.
كذلك فإن المعارضة السورية المعتدلة ضعيفة كما أن السياسة الغربية تجاه سوريا قائمة على فكرة رحيل الأسد عن السلطة وقد رفض الغرب عروض التعاون التي قدمتها دمشق.
ويقوم وزير الخارجية الأمريكي حاليا بجولة في المنطقة سعيا لدعم الجهود الرامية لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية.
ولأن الجماعات التي تقاتل الحكومة السورية أصبح يغلب عليها الطابع الإسلامي، فإن بعض مقاتلي المعارضة على الأرض يخشون الآن أن ينظر إليهم كعناصر يدعمها الغرب.
ويقول مقاتل في محافظة دير الزور التي يسيطر عليها التنظيم، إن البعض بدأ يسعى لاستطلاع آراء رجال الدين حول ما إذا كان من الصواب القتال إلى جانب الولايات المتحدة إذا شنت ضربات جوية ضد الدولة الإسلامية في سوريا على سبيل المثال.
ويسعى أوباما لتكوين تحالف بمشاركة الدول الإسلامية السنية في المنطقة للتصدي لخطر الدولة الإسلامية.
وقال المقاتل الذي اضطر في الآونة الأخيرة لتسليم سلاحه للدولة الإسلامية: "السؤال هو: هل السعودية أو أي دولة إسلامية أخرى بدلا من أمريكا والغرب قادرة على مساعدتنا على القتال؟".
لكن الدول الغربية وبعض الدول العربية يخشون أن تكون مهاجمة الدولة الإسلامية دون التصدي للأسد وقوفا إلى جانبه وجانب الأقلية العلوية التي يمثلها.
وقال محمد سرميني المسؤول بالمعارضة الذي التقى بمسؤولين أمريكيين هذا الأسبوع، إن الدولة الإسلامية على رأس جدول الأعمال الأمريكي مع المعارضة السورية منذ سقوط الموصل في أيديها في حزيران/ يونيو الماضي.
وأضاف: "قلنا لهم إن المشكلة ليست في الدولة الإسلامية وحدها بل في النظام".
وبالنسبة لمقاتلي المعارضة كان تنظيم القاعدة حليفا أفضل من الغرب في بعض الأحيان خلال الحرب الأهلية التي سقط فيها ما يربو على 190 ألف قتيل؛ ففي بعض المناطق اشتبكت جماعات غير إسلامية مع جبهة النصرة، لكنها حاربت معها في مواجهة قوات الأسد في بعض المعارك.
وكانت الدول الغربية قررت في أوائل الحرب الأهلية في سوريا ألا تسلح المعارضة بالأسلحة التي تحتاج إليها للاطاحة بالأسد وخاصة الصواريخ المضادة للطائرات التي يمكنها أن تحول ميزان القوى في المعركة وذلك خشية سقوط الأسلحة في أيدي المتطرفين.
ويقول مسؤولون فرنسيون إن باريس زودت مقاتلين تعتبرهم معتدلين في نهاية العام الماضي بقواذف صاروخية، لكن ما أحرزته جماعات إسلامية متشددة من تقدم أرغمها على التوقف.
ولم تلق مطالب المعارضة بفرض منطقة حظر طيران لحمايتهم من سلاح الجوي السوري أي صدى، إذ سعت روسيا في مجلس الأمن على الدوام لمنع أي عمل يضعف موقف الأسد.
وتقول المعارضة السورية إن النتيجة تمثلت في انهيار نفوذهم وفي الصعود السريع للفصائل الإسلامية التي تمتعت بدعم أكبر، لا سيما من بعض المتبرعين الأثرياء في الخليج.
وتتردد قصص كثيرة عن انضمام مقاتلين أو حتى ألوية كاملة كانت تحت لواء الجيش السوري الحر إلى الفصائل الإسلامية بما فيها تنظيم الدولة الإسلامية. ويقول مقاتلون إن الكثيرين أخذوا هذه الخطوة لأن الفصائل الأقل تشددا لم تكن لديها ببساطة الموارد اللازمة لمواصلة القتال.
ومن بين حلفاء واشنطن في أوروبا، كانت فرنسا هي أكثر الدول تعبيرا عن الشعور بالإحباط لعدم دعم المعارضة المعتدلة بصورة أكثر فعالية.
وقال دبلوماسي فرنسي كبير، إن "منطقنا هو أن الحل لمواجهة الدولة الإسلامية وفظائع بشار الأسد يتمثل في زيادة الدعم للمقاتلين المعتدلين في سوريا الذين ما زالوا على قيد الحياة. ونحن نشعر أن الأمريكيين يتفقون معنا نظريا، لكن الشكوك تحيط بموقفهم من الناحية العملية".
وقد طلب أوباما من الكونغرس الموافقة على صرف 500 مليون دولار لتدريب المعارضة السورية وتزويدها بالسلاح في إطار استراتيجية، ترمي لإضعاف الدولة الإسلامية تدريجيا وصولا إلى القضاء عليها. وتدير المخابرات المركزية الأمريكية عملية سرية محدودة لتدريب جماعات صغيرة من معارضي الأسد وتزويدها بالعتاد.
وقامت دول عربية من حلفاء واشنطن، خاصة قطر والسعودية بدور قنوات رئيسية للدعم العسكري للمعارضة. لكن التنافس فيما بينها أدى في بعض الأحيان إلى دعم جماعات متنافسة.
ويقول بعض مقاتلي المعارضة إن الدعم العسكري ازداد بالفعل.
وقد حصلت حركة حازم هذا العام على صواريخ مضادة للدبابات لم يحصل عليها أي من مقاتلي المعارضة السورية من قبل. وقال فارس البيوش من قادة الحركة عبر الإنترنت إن الحركة تسلمت المزيد في الأسابيع الأخيرة ردا على الخطر الذي تمثله الدولة الإسلامية.
ولم يذكر البيوش اسم الدولة التي قدمت الصواريخ، لكن السعودية كانت مصدر أسلحة مماثلة سلمت في وقت سابق من العام الجاري.
وتوقعا لزيادة الدعم الأمريكي بدأت بعض فصائل المعارضة المرتبطة بالجيش السوري الحر تعيد تنظيم صفوفها في وحدات مقاتلة أكبر ضمن هياكل قيادة موحدة.
وفي محافظة إدلب بالشمال الغربي أعلنت خمس فصائل تكوين تشكيل جديد أكبر يوم الأحد.
وهذا الأسبوع أعلن جمال معروف وهو من قيادات المعارضة البارزة في المحافظة الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية.
وقال حسام المرعي المتحدث باسم الجيش السوري الحر: "الدولة الإسلامية لديها الكثير من الأسلحة ولديها الثروة والنفط. والنظام في الجانب الآخر لديه إيران وروسيا ولذلك فالجيش السوري الحر يحتاج أسلحة أكثر تطورا".
وفي حلب حيث تعمل ميليشيات مختلفة على صد الدولة الإسلامية والقوات الحكومية منذ أشهر، يقول مقاتلو المعارضة إنهم على استعداد للعمل مع الولايات المتحدة مادامت الخطة تشمل الإطاحة بالأسد.
وقال أبو محمد الحلبي النشط في إعلام المعارضة الذي يعمل مع عدة ألوية في حلب: "بعض المقاتلين يؤيدون التدخل الأمريكي والبعض يعارضه. النقطة الشائكة هي عدم وضوح الرؤية فيما يتعلق بكيفية التعامل مع الاسد".
لكن مقاتل المعارضة في دير الزور قال، إنه "مع مرور الوقت تأكد أنه عندما تقرر أمريكا تنفيذ ضربات جوية ضد الدولة الإسلامية في سوريا فلن تجد فصيلا عسكريا تتعاون معه".
وأضاف في حديث عبر الإنترنت: "سيكون أغلب المقاتلين قد انحازوا للدولة الإسلامية..هذه هي الطريقة التي تحمي بها نفسك هنا".