أعلنت جامعة بكين
الصينية عن رغبتها في استضافة محاضر زائر لمدة أسبوع ليحدث طلاب الاقتصاد فيها عن "
الأسواق العالمية"، وأحجمت معظم الشخصيات الأكاديمية ذات الباع الطويل في هذا المجال، عن قبول الدعوة بسبب الخوف من انفلونزا الطيور والبعير والعصافير.
واعتقد أن الله يريد للصينيين عذاب الدنيا لأنهم غزوا أسواق الدول الفقيرة بسلع تسبب ارتفاع ضغط الدم وفقر الدم في تزامن غير بديع، فجعل بلدهم نقطة انطلاق أوبئة لا علاج معروفا لها، ولما عرف البريطاني ماثيو ريتشاردسن بالأمر، لم يتردد في تقديم طلبه الذي تم قبوله على الفور، خاصة وان اسمه كان مرتبطا بجامعة اوكسفورد العريقة، وطار ريتشاردسن الى بكين ووقف أمام المئات من الطلاب يلقي محاضرات حول التحولات الراهنة والمرتقبة في السوق العالمية، ثم عاد الى وطنه قبل انقضاء المدة المقررة للمحاضرات، والسبب في ذلك أنه كان سيتعرض للطرد من اوكسفورد اذا تأخر كثيرا في الصين، لأنه سبق أن نال إنذارا بالفصل من الجامعة بسبب التغيب المتكرر.
والسبب الآخر هو ان جامعة بكين أبلغته بأنها تريد ان ترى "عرض أكتافه".. يعني قالت له: فِز،.. حلّ عنا… عد من حيث أتيت! وأعطوه نحو 2500 دولار على المحاضرات التي فرغ من إلقائها، وتذكرة العودة الى
بريطانيا!!
ريتشاردسن هذا يبلغ من العمر 23 سنة، ويدرس الهندسة في اوكسفورد ومعرفته بالأسواق العالمية مثل معرفة نانسي عجرم بنواقض الوضوء، وقد اعترف لصحيفة دايلي ميل البريطانية أنه لم يقرأ طوال حياته مقالا اقتصاديا واحدا! طيب كيف تصرف خلال وجوده في بكين ونجح في القاء محاضرات على مدى ثلاثة أيام؟
بسيطة: حمل معه كتابا بعنوان "مقدمة حول الأسواق المالية العالمية"، وعكف على قراءته عسى ان يفهم منه شيئا، ولكنه اكتشف ان الاقتصاد اكثر تعقيدا من الرياضيات والفيزياء اللتين يعشقهما ويحرز فيهما أعلى الدرجات، وهكذا اضطر الى تقطيع أوراق الكتاب وتكبير صفحاته باستخدام جهاز التصوير(الفوتو كوبي)، وقدم محاضراته ممسكا بتلك الأوراق لتبدو وكأنها مذكرات خاصة به، وكان يحاضر بالإنجليزية بينما يتولى مترجم توصيل كلامه الى الطلاب باللغة الصينية، وكان ذلك الكتاب يتألف من 17 فصلا استهلك ريتشاردسن منها 15 فصلا في 3 أيام ولم يكن يعرف ماذا يفعل بعد ان يستهلك الفصلين المتبقيين في اليوم التالي.
ولكن قلقه كان في غير موضعه لأن المترجم ابلغ سلطات كلية الاقتصاد ان سعادة الاستاذ البريطاني يبرطم بكلام غير مترابط، لا يحسن حتى قراءته من الورقة المطبوعة التي يحملها، كما ان الطلاب اشتكوا لأساتذتهم بأن المحاضر الزائر لا يفهم معشار ما تفهمه فيفي عبده عن الأسواق العالمية، وهكذا تم طرد ريتشاردسن وعاد الى جامعة اوكسفورد طالبا، ومعه مئات الدولارات بعد ان حقق حلم حياته بزيارة الصين "ببلاش".
قرأت ذات مرة في صحيفة خليجية أن طبيبة امراض نساء وولادة بريطانية ستنظم ورشة عمل في المستشفى الخليجي الذي تعمل به، ورنت الأجراس في رأسي: أين سمعت بذلك الاسم؟ وتذكرت انني قرأت عنها عشرات المقالات في سياق محاكمتها وسحب ترخيصها الطبي كليا بعد ان تسببت في كوارث صحية لأكثر من مائة مريضة في بلادها، ودخلت موقع المجلس الطبي البريطاني على الانترنت وتأكدت من سلامة ذاكرتي، وكتبت رسالة الى صحيفة تصدر في ذلك البلد الخليجي ومعها وثيقة تؤكد انها ممنوعة من ممارسة الطب مدى الحياة، ولم تنشر الرسالة، ربما لأنها كانت "تطاولاً" على واحدة تنتمي الى "النسل الشريف" في شجرة العائلة العولمية! ولأن فينا يعتقد ان النسل الأبيض لا يأتيه الباطل من اي اتجاه!!
والشاهد يا جماعة هو أن الاعتقاد بأن أهل الغرب هم أهل الاستقامة والأمانة المهنية، ومن ثم فكل صعلوك ذي بشرة فاتحة ينال عندنا مسمى خبير/ استشاري، وحتى عندما "يجيب خبر" الجهة التي يعمل فيها، فإنه يرمي اللوم على الكوادر المحلية التي تعمل معه، فيتم طرد تلك الكوادر، فيسرح صاحبنا ويمرح حتى انتهاء مدة خدمته حسب نصوص العقد المبرم معه، وحتى لو قرروا إنهاء خدماته قبل نهاية تلك المدة، فإنه يمنح تعويضا كاملا، اي يفوز برواتب شهور أو سنوات لم يؤد خلالها عملا، أما عند إنهاء خدمات موظف/ عامل عربي فيتم استخدام مفردة إنجليزية معرَّبة قسرا "تفنيش"، ولا مكافأة ولا بقشيش، وربما لهذا السبب تتبارى نساء السودان لنيل شرف الإصابة بالسرطان باستخدام كريمات تجعل لون
البشرة فاتحا، وتسمى كريمات التفتيح، مما يعني أن البشرة السمراء "مقفلة"، وبحاجة إلى تحرير، وهذا استنتاج معقول في بلد ينتج حركات تحرير أكثر مما ينتج من طعام.