ما زال البعض يحاول أن يجد حلا للأزمة الليبية بإقناع الأطراف المتنازعة للجلوس على طاولة
الحوار.
فقد تبنت لجنة حكماء
ليبيا مباردة تقدم بها "جحفل مصراته"، ويكفي أن تكون المبادرة "مصراتية" ليكون ذلك مبررا لتعثرها. وهناك مبادرات ما تزال في مراحل الإنضاج ولكنها لن تكون "محظوطة"، لأنها تفتقر إلى آلية مقبولة لـ "فرضها"، حيث لا يمكن أن تجد أي مبادرة طريقها للنجاح في ظل الاستقطاب الحاد، والذي يتجه إلى مزيد من التصعيد وليس العكس، وبالتالي فإنه لا يمكن ضمان نجاح أي مبادرة لا تتوافر على إرادة تفرضها على الأطراف المتنازعة.
من هنا يتأكد أن السيطرة على الوضع الراهن المتأزم لا يمكن إلا أن يكون خارجيا، أو بمساندة خارجية.
هذا الافتراض حاكم ولكنه ليس على إطلاقه، فالدول الغربية متمثلة في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ستكون قادرة على المساهمة بشكل كبيرة في احتواء الوضع الراهن في حال:
- توافقت على سيناريو احتواء الوضع
- تجاوزت المواقف العامة من مثل دعم الشرعية وتشكيل حكومة ائتلافية لتمس مبادرتها ملفات عديدة معقدة، وتطرح حلولا قابلة للتطبيق.
فقد عكست تصريحات كبار المسؤولين الفرنسيين، وتنقلاتهم بين بعض العواصم العربية أنهم يتبنون موقفا وتوجها يبتعد عن الموقف والتوجه الأمريكي على سبيل المثال. فقد نقلت مصادر خاصة قلقلا جزائريا حيال الدبلوماسية الفرنسية خلال الاسبوعين الماضيين، فالجزائر ربما تتخوف أن تكون باريس قد جنحت لصالح التدخل في الشأن الليبي بشكل مباشر من خلال التنسيق مع مصر والإمارات لدعم البرلمان في حشده لضرب قوات فجر ليبيا. فيما بدا أن الموقف الأمريكي أكثر ليونة تجاه عملية فجر ليبيا وذلك بالنظر لدعوى السفيرة الأمريكية، ديبورا جونز، إشراك الثوار في العملية السياسية، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك بحديثها عن تشكل الحرس الوطني الأمريكي من المقاتلين في بداية تشكيل الولايات المتحدة، وهو ما يتماهى مع مشروع الحرس الوطني الذي نادى به المجلس الأعلى للثوار ودعمه علي زيدان ثم عاد وتخلى عنه تحت ضغوط نخبوية مدنية وعسكرية.
وفي ظل عدم وضوح الرؤية فيما يتعلق باتساق مواقف العواصم الغربية حيال الأطراف المتنازعة، فإن ما يساعد على ذلك عدم تبني واشنطن ومن ويؤيدها من عواصم أوروبية كـ "لندن" وروما وأسبانيا لتصور تفصيلي لاحتواء
الأزمة. فالولايات المتحدة لم تتخط خطاب التأكيد على الشرعية والدعوة لتشكيل حكومة وفاق وطني مع الحاجة لتصحيح بعض مواقف البرلمان، لكنها لم تقارب نقاط من مثل الخلاف حول تشكيل الجيش، ودمج الثوار، وتطبيق قانون العزل..الخ. فهذا العموم ليس كافيا لإشعار الطرفين بأنهما يحققان مكاسبا مهمة، كما أنه غير كاف لتفكيك الألغام التي ستعترض مسار التفاوض وطريق التسوية.
ومن ناحية أخرى، وباعتبار أن التوجه الأمريكي هو الذي عادة يغلب على المواقف الأوروبية، وبالنظر إلى تصريحات السفيرة الأمريكية التي أبدت تفهما لعملية فجر ليبيا، قد يُفهم التأخير في وضع تصور عملي من قبل واشنطن على أنه حرص على أن يتعزز موقف فجر ليبيا عسكريا ليكون مساعدا في الضغط على البرلمان للقبول بصيغة تصلاحية تنطلق من تعميم سلطته على كافة ربوع البلاد مع مراجعة لقراراته التي كانت مثار جدل وسببا لهبة شعبية ضده. لكن يضعف هذا التحليل الارتباك في السياسة الخارجية الأمريكية مؤخرا، وانشغالها بتشكيل حلف دولي لمجابهة داعش.
ومن ناحية أخرى، لا يمكن أن تتعاطف الولايات المتحدة مع فجر ليبيا دون سبب يُقنع أو ثمن يدفع، ولا يستبعد أن تكون واشنطن مطمأنة إلى "نقاء" الأخيرة من لوثة الإرهاب ومدركة لقوتها العددية والتنظيمية، بل ربما تذهب أمريكا بعيدا في آمالها طمعا في أن تلعب فجر ليبيا دورا حيويا في القضاء على "الإرهابيين" وهم وفق التصنيف الأمريكي أنصار الشريعة وبعض الشباب الذين يتبنون فكر القاعدة أو يوالون تنظيم دولة الإسلام.
فمكافحة الإرهاب هي الأولية القصوى بالنسبة لواشنطن، وهي ربما ترى أنه لا يمكن القضاء عليه إلا من قبل القوة المنظمة والكبيرة وهي الدروع ومن اجتمع معها في عملية فجر ليبيا، بعد أن ظهر جليا فشل اللواء حفتر في هزيمة أنصار الشريعة، فهو اليوم يخفق في وقف تقدمهم برغم تفوقه بسلاح الطيران، وقد جاء بيان الكونغرس الأمريكي مؤيدا لهذا التفسير، وأكدته جونز في تصريحها عقب لقاءها عضو البرلمان عن بنغازي، علي بو زعكوك. وقد لا يكون الرهان على فجر ليبيا للقضاء على الإرهاب وفق التصنيف الأمريكي ممكنا، لما يتطلبه من مقومات لا يمكن الجزم أنها متوفرة، وليس القصد هناك المقوم العسكري، بل المقصود عوائق سياسية وجهوية قد تحول دون نجاح أي عمل عسكري تقدم عليه قوات فجر ليبيا.