بعد مقتل عم أميرة في الحصار، الذي فرض على بلدة القصير السورية، فقدت الطفلة (5 أعوام) القدرة على المشي، فقد راقبت عما لها ينزف حتى الموت، وشاهدت بيتها محطما، وأصيب ذراعها بشظية محترقة.
وكان للصدمة عليها تأثير نفسي حاد، كما يقول تقرير لصحيفة "واشنطن بوست"، حيث فقدت الشهية لتناول الطعام، وحصل ضمور لعضلاتها، ولم تعد رجلاها تحتمل وزنها الصغير، ففقدت القدرة على المشي. وتقول والدتها التي لجأت للبنان "لقد رأت الكثير".
وتضيف الصحيفة أن والدتها كانت تحملها للمدرسة، حيث التقت مع المدرسين ومنظمات غير حكومية "جمعية بيوند"، التي رتبت أمر تلقي أميرة العلاج النفسي والتغلب على مشكلة فقدان الشهية. وبعد شهر من العلاج وبداية المدرسة عادت أميرة للمشي مرة أخرى.
وتقدم حالة أميرة صورة عن الكارثة النفسية التي يعاني منها الأطفال السوريون، حيث فروا من الدمار والحرب للدول المجاورة لبلدهم في
لبنان، ليواجهوا معاناة أخرى من التشرد والاستغلال والتوتر الطائفي والعنف المنزلي، وفق التقرير.
وترى الصحيفة أن الضغوط النفسية تركت الكثيرين منهم يعانون من أمراض عقلية، ومشاكل قلق نفسي وأزمة ما بعد
الصدمة ومشاكل في النمو. وفرّ ما يقرب من نصف مليون طفل إلى لبنان، معظمهم لا يذهبون للمدرسة (4 من 5 أطفال دون مدارس).
وتشير الصحيفة إلى أن ما زاد من المشكلة غياب التمويل والتوعية والبنى التحتية التي تعتني بالمرضى العقليين، والتوتر المتزايد بين السكان المحليين واللاجئين السوريين الذين يتدفقون دون توقف نظرا لاستمرار الحرب الأهلية في بلادهم.
وينقل التقرير عن بسام الفارس، طبيب سوري فرّ من بلاده لبلدة عرسال الحدودية "أنتم تدمرون الناس أكثر مما دمرتهم الهجمات الكيماوية".
ويبلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين في لبنان 1.1 مليون نسمة، أي ثلث عدد السكان البالغ عددهم 4 ملايين. ونصف السوريين لا تتجاوز أعمارهم 17 عاما أو أقل، بحسب الصحيفة.
ويذكر التقرير أنه، وخلافا للأردن وتركيا، لم يخصص لبنان
مخيمات للاجئين السوريين، حيث يعيش معظمهم في خيم غير رسمية، أو في بيوت مستأجرة أو في المناطق الشعبية، ويحاولون البحث عن أعمال مؤقتة.
ويبين التقرير أن اللاجئين حملوا مسؤولية مقتل 3 جنود لبنانيين، اختطفتهم جبهة النصرة وتنظيم الدولة المعروف بـ "داعش" من بين 21 جنديا ورجل شرطة عندما نصبوا كمينا للجيش اللبناني.
وتنقل الصحيفة عن أنتوني ماكدونالد مسؤول حماية الأطفال في منظمة الطفولة العالمية التابعة للأمم المتحدة "يونيسيف" قوله "من الممكن الافتراض أن غالبية الناس القادمين من
سوريا يعانون من مشاكل نفسية".
ويضيف ماكدونالد أن الأطفال والأحداث يعيشون صدمة نفسية ثانية عندما يصلون للبنان؛ نتيجة للفقر والأوضاع المعيشية ونوبات العنف ونقص المدارس والمشاكل البيتية.
وكشفت دراسة لمنظمة "أنقذوا الأطفال"، أجريت على 11.000 طفل سوري، ونشرت بداية العام الحالي، أن 41% من الشبان السوريين في لبنان في الفئة العمرية ما بين 15- 24 عاما فكروا في الانتحار. وسجلت نسبة أعلى بين النساء لتصل إلى 50%، بحسب الصحيفة.
ويتحدث المحللون والأطباء النفسيون، الذين يعملون مع الأطفال السوريين، عن أعراض مثل "فوبيا" والهستيريا وكوابيس في الليل، وتراجع في النمو البدني والتبول في الملابس، كما أورد التقرير.
وتلفت الصحيفة إلى أنه في الوقت الذي يظهر فيه البعض مقاوما، إلا أن الأعراض قد تتطور في المستقبل. ويقول علاء حجازي من الجامعة الأميركية في بيروت "مما يؤسف له أن الصدمة النفسية في الطفولة تترك أثرا بعيدا وباق على الطفل".
ويشكو
اللاجئون وعمال الإغاثة من تركيز المتبرعين على توفير الحاجات الأساسية والمباشرة من ملجأ وطعام، ويتجاهلون المساعدة النفسية.
ويذكر التقرير أن معظم منظمات الإغاثة تقدم مساعدة نفسية، تركز على تقديم العون والتوعية للمشردين السوريين، وتدور حول تعليم الآباء كيفية ملاحظة الأعراض الأولى للمرض النفسي عند أطفالهم. وفتحت بعض المنظمات أماكن خاصة للأطفال، يرتاحون فيها ويتم تشجيعهم على التعبير عن أنفسهم.
وتخلص الصحيفة إلى الإشارة إلى مواجهة اللاجئين مشاكل أخرى من الفقر والاستغلال وتعرض الأطفال للاغتصاب. ويزيد من صعوبة حل المشاكل قلة البنى التحتية لمعالجة المرضى العقليين.