توقفنا في المقال السابق عند وفاة الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر شيخ قبائل حاشد، وهو الحدث الذي يعد فارقاً بالنسبة للقبيلة، حيث أن القبيلة لم تتفق بعده على شيخ يقودها، فقد عمد علي عبدالله صالح إلى دعم بعض الشيوخ الذين رفضوا الاعتراف لأبناء عبدالله الاحمر خلافة ابيهم في تولي قيادة القبيلة، وعلى الرغم من ذلك فإنهم لم يستطيعوا أن يسلبوا آل الاحمر قيادة حاشد وبالتالي دورهم المركزي في النظام السياسي
اليمني، وهو ما سيتجلى حين انضمام صادق الأحمر -نجل الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر الأكبر – للثورة اليمنية.
على عكس ثورات الربيع العربي التي قامت من أجل الحد من تغول الدولة على المجتمع وهيمنة السلطة على المجال العام، قامت الثورة اليمنية كاحتجاج على غياب الدولة ورغبة في إيجاد مؤسساتها الإدارية وتفعيل دورها في ظل هيمنة مراكز قوى قبلية على النظام السياسي، وقد تجلى هذا في الشعارات التي رفعها المحتجون حينها والتي كان أبرزها " الشعب يريد دولة مدنية "، والمدنية هنا جاءت مقابل القبلية لا الدينية.
كانت المفارقة أن أعلن الشيخ صادق الأحمر انضمامه ومن خلفه السواد الأعظم من قبيلة حاشد إلى الثورة تلك، وجاء ذلك على إثر واحدة من أبشع المذابح التي ارتكبت ضد مدنيين عزل في تاريخ اليمن الحديث، وهي ما عرفت بأحداث " جمعة الكرامة "، إلا أن الشيخ صادق كان قد قال في كلمته التي أعلن فيها انضمامه للثورة ودعمه لمطالبها أنه على استعداد للعمل مع القوى السياسية والمدنية لاسقاط علي عبدالله صالح والمساهمة في بناء دولة حديثة ذات سيادة، كما أبدى استعداده لتسليم سلاح قبيلته لتلك الدولة المنشودة، وهو ماعبر عنه الكاتب المصري محمـد حسنين هيكل حينها " برغبة القبيلة في التحول لنموذج الدولة الحديثة ".
تبع انضمام
آل الأحمر الى معسكر الثورة، اعلان عدد من شيوخ قبيلة حاشد ولاءهم للرئيس السابق علي عبدالله صالح، وهو ما مثل شرخ وانقسام عمودي في جسد القبيلة، وسرعان ما انعكس هذا الانقسام داخل القبيلة على مؤسسات الدولة وفي القلب منها الجيش , حيث أعلن اثنان من قادة المناطق العسكرية في الجيش( كان عدد المناطق العسكرية حينها خمس مناطق ينتمي أربع من قادتها لقبيلة حاشد ) ينتميان لقبيلة حاشد انضمامهم للثورة وهما اللواء علي محسن الأحمر قائد المنطقة الشمالية الغربية، واللواء محمـد علي محسن قائد المنطقة الشرقية، كما استقال عدد كبير من الوزراء والسفراء وهو ما مثل بحق انهياراً لنظام علي عبدالله صالح.
حاول علي عبدالله صالح الذي استند في العاصمة إلى الحرس الجمهوري والأمن المركزي الذيْن يتولى قيادتهما أبناءه وأبناء أخوته إضافة إلى القبائل التي تسانده استعادة شرعيته السياسية، فشن حرباً على آل الأحمر في العاصمة صنعاء، إلا أنه فشل في حربه تلك وانتهى به المطاف للعلاج في السعودية بعد استهدافه وعدد كبير من رجال الدولة في قصره الرئاسي، ما أدى إلى توقيعه على المبادرة الخليجية وإفساح المجال لانتقال السلطة لنائبه عبدربه منصور كما نصت عليه المبادرة.
وبتوقيع المبادرة الخليجية، أصبح آل الأحمر إضافة لأحزاب اللقاء المشترك والقوى الشبابية التي ساهمت في الثورة جزءاً من العملية الانتقالية بوصفهم ممثلين عن الثورة، وقد التزم آل الأحمر كما وعدوا بالمسار الذي ارتضته القوى السياسية التي ساهمت بالثورة والمتمثل بالمبادرة الخليجية، وشاركوا – أي آل الأحمر – في الحوار الوطني وعملوا على إنجاز الانتقال السياسي وفقاً لرؤية القوى السياسية التي وقعت على المبادرة الخليجية وآلياتها المزمنة.
الجزء الأول من المقال