على عكس بني بلدته وأصحابه، كانت العلاقة "غير المألوفة" بين محمد الحبيب وكبشه الذي أسماه "عنتر"، في منطقة الدندان الشعبية غربي العاصمة
التونسية، المشهورة بتمسكها بالموروث القديم لعيد الأضحى، الذي يولي أهمية خاصة لأضحية العيد.
يمتلأ في هذا المكان ضجيج أطفال صغار يرهقون أنفسهم في رهانات لا تنتهي محورها "مناطحة" (مصارعة الكباش) في مكان يطلقون عليه اسم "الخروبة" وهو مكان مخصص في أحياء تونس الشعبية لإقامة أنشطة مختلفة حسب المناسبات.
ومصارعة الكباش نوع من الترفيه، تمارس في الأحياء الشعبية التونسية على مدار الأيام التي تسبق
عيد الأضحى، عن طريق دورات في مساحات مخصصة لذلك تتنقل إليها جماهير غفيرة صغارا وكبارا للاستمتاع بجولات يشتد فيها التنافس بين الصغار والخراف، وتعتبر مصدر لهو وتسلية بالنسبة لكثير منهم .
محمد الحبيب، صبي يبلغ من العمر 12 ربيعا، كان استثناء بين أقرانه الصغار، واختلف عن بني بلدته، إذ اختار لنفسه ولكبشه الذي اطلق عليه اسم "عنتر"، النأي عن الصراعات، خوفا عليه من العنف، فالعلاقة التي نشأت بينهما منذ أيام قليلة فقط توطدت كثيرا، وباتت علاقة غير مألوفة بين الأطفال والكباش في هذا التوقيت.
في تونس، تبعث التحضيرات لقدوم العيد في النفس، الفرحة والسعادة لدى الأطفال قبل الكبار إذ تعمد بعض العائلات الى شراء و تربية خروف العيد لأطفالهم حتى يشعروا بالسعادة.
نبيل والد محمد الحبيب (45 عاما)، روى في حديثه تفاصيل طريفة عن العلاقة بين ابنه و"أضحية العيد المرتقبة"، وقال: "امتنع ابني في المدة الأخيرة عن الذهاب لمتابعة دروسه في المدرسة، ليغنم وقتا إضافية في رعاية خروفه الذي أصر على تسميته وأطلق عليه اسم عنتر".
وأضاف: "صادف في أحد المرات نزول رذاذ المطر، ففاجئنا الصغير بإسراعه نحو بيته وأحضر غطاء ألقاه على
الكبش الذي يعتبره صديقا له، خوفا عليه من البلل".
وبحسب ما يقول أبناء الحي فكلما تحول هذا الطفل للقيام بجولة مع خروفه إلا وكسى صوفه بالأزهار والورود التي يقطفها من الأشجار المترامية على عتبة الطريق، فصارت العلاقة بين الصديقين الجديدين مضربا للأمثال بين الأطفال الصغار في الدندان.
ويولي الأطفال الصغار في الأحياء الشعبية التونسية أهمية كبيرة لجانب الزينة والجمال لكبش العيد، فغالبا ما يعمد الأطفال الى تمشيط صوفه، ويربطون خيوط الزينة على جسمه، ويمسحون قرنيه.
إيناس، شقيقة محمد الصغرى، قالت إن شقيقها "أصبح مهوسا بصديقه الجديد، ويعمد إلى مشاركته طعامه، والتفاصيل البسيطة لحياته، حتى أنه يقدم له كل صباح قليلا من السكر، في الوقت الذي يصطحبه يوميا في جولة ليلية بشوارع القرية".
أما محمد فقال: "حزين لقرب العيد وحزين لقرب قيام الجزار بنحر صديقي، وإسالة دمائه كما اعتاد أن يفعلها كل سنة مع أصدقائي".
محمد أضاف: "أجد صعوبة في الاقتناع بضرورة ذبح الكبش، وأن نحر الأضحية يجمع بين الفرحة والسنة".
ومن مظاهر فرحة العيد عند العائلات التونسية ارتباط الأطفال بالأضحية وعقدهم لعلاقة مميزة مع الكبش من خلال اللعب معه أو تقديم الطعام له، لكن هذه الفرحة عادة ما تتحول يوم النحر عند بعضهم إلى يوم للبكاء والحزن ورثاء الكبش في بعض الأحيان.
وتحرص العائلات التونسية في مختلف محافظة البلاد أثناء عيد الأضحى على استرجاع عاداتهم وتقاليدهم التي ورثوها فيما مضى عن أجدادهم انطلاقا من تخصيص حيز كبير من تحضيرات العيد للأطفال وصولا الى إعداد أطباق الطعام.