بدأت المؤسسات الاعلامية والصحفية الكبرى في
مصر تشهد موجة انقلابات وتغييرات جذرية في أعقاب الرحلة التاريخية التي قام لها الرئيس عبد الفتاح السيسي الى نيويورك والتي اصطحب خلالها عدداً كبيراً من الاعلاميين والصحفيين المؤيدين له ولنظامه، وأغلبهم من المستفيدين والمحسوبين على النظام منذ فترة حكم المخلوع حسني مبارك.
ومع انتهاء الرحلة التي حاول فيها النظام المصري الجديد وضع قدم له على الساحة الإقليمية والدولية، تكشفت بوادر تغييرات، إن لم تكن انقلابات في عالم الإعلام والصحافة، على مستوى الهيكل التنظيمي لتلك الأبواق بعد أن أدت ما عليها وانتهت مهمتها واحترقت ورقتها، بحسب بعض المراقبين.
وكانت بداية التغييرات بإغلاق قناة
الفراعين - بدعوى الإفلاس -، وهي القناة التي يملكها توفيق عكاشة أحد المنتسبين إلى جوقة الدولة العميقة، المعبرة عن لسان حالها، كما تم الغاء برنامج عبدالرحيم علي على قناة القاهرة والناس الذي وصفه رجل الأعمال نجيب ساويرس بالمخبر بسبب إذاعته لمكالمات مسجلة لبعض الشخصيات المصرية تنال من مصداقيتها.
أوامر عليا
ويقول مصدر مطلع في مدينة الإنتاج الإعلامي لـ"عربي 21" إن "حالة من التذمر واسع النطاق تسود العاملين في المدينة بين الذين ينتسبون إلى كل القنوات الفضائية بعد قرارات من مجالس إداراتها بتسريح مئات الإعلاميين سواء في مجال تحرير الأخبار أو الصورة، أو معدي البرامج والمصورين والفنيين وعمال الاستديو وصولا إلى عمال البوفيه والخدمات".
ولطالما كانت قنوات مثل "أون تي في" و"أون تي في لايف" و"سي بي سي" وغيرهم من القنوات من أكبر الداعمين للنظام الحالي من خلال ما يتم تقديمه في البرامج أو الأخبار؛ لكن يبدو أن النظام قرر تغيير سياساته تجاه تلك القنوات ضارباً بعرض الحائط كل ما قدمته وتقدمه.
وكشف مصدر مطلع لـ"عربي21" أن "النظام لديه قائمة بالمئات من الإعلاميين، والفنانين، ورجال الأعمال والمال، والنشطاء السياسيين، وسوف ينزع عنهم الغطاء، ويكشفهم من خلال آلاف الوثائق، والمكالمات التي سيقدمها للنيابة قريباً".
القنوات الفضائية تسرح الموظفين
وأضاف المصدر إن "رجال الأعمال طالبوا مديري قنواتهم بتقليص محتوى الأخبار والبرامج السياسية وخفض ساعات البث الحي ما دفع قناة "أون تي في" إلى تسريح عشرات الموظفين، والعودة إلى البرامج الخفيفة وبرامج الفن والرياضة ووقف التعيينات في قناة سي بي سي، وإلغاء بعض البرامج وتسريح العاملين، في خطوة غير متوقعة، حيث أن القنوات كانت قد توسعت في انشطتها، وقامت بتأجير استديوهات كاملة منذ عدة أشهر فقط".
ويقول مصدر داخل قناة "أون تي في" لــ"عربي21" إن "الإدارة قامت بتسريح عشرات العاملين بعضهم من المعينين حديثاً والآخر من الطاقم القديم، ورفضت إعطائهم أية مستحقات مالية تتعلق بالسنوات التي قضوها في العمل، وهو ما أثار استياء هؤلاء وبعضهم من عمال البوفيه الذين يتقاضون بالأساس مرتبات زهيدة ورغم ذلك تم رفدهم".
القوات المسلحة والشرطة يديران الإعلام
وبحسب العاملين في تلك القنوات فهناك ارتباط وثيق بين الشؤون المعنوية في القوات المسلحة المصرية، وكذا دائرة العلاقات والإعلام في وزارة الداخلية وبين رؤوساء مجالس تلك القنوات، بحيث يسمح لهم بإدارة القنوات بالشكل الذي لا يتعارض مع قرارات النظام، وغالباً ما يدفعون بالمواضيع الى مقدمي تلك البرامج من أجل الترويج لفكرة ما.
وتقول مصادر "عربي21" أن بعض رؤوساء تحرير البرامج في قنوات (سي بي سي)، والنهار، وغيرها كشفوا في لقاءات جانبية عن كواليس تعامل وزارة الداخلية معهم، وأكدوا أن هناك أوامر مباشرة يتلقونها من أجل إذاعة فقرات ما وتكرارها خاصة تلك المواد المصورة من قبلهم وتحتوي على مواد لا يمكن التأكد من مصداقيتها أو صحتها.
وتشير المصادر الى أن آخر تلك الأمور كان ما يتعلق بالانفجار الذي وقع في منطقة بولاق أبو العلا وسط القاهرة وراح ضحيته ضابطي شرطة، وسارعت القنوات كالعادة إلى تغطية الحادث، وفتح الحوار مع المواطنيين، واتهام جماعة الإخوان بالوقوف وراء ذلك العمل الإرهابي، وبعد ساعات قليلة من التغطية المباشرة، اتصلت جهات بوزارة الداخلية وطالبت بوقف البث، وعدم الاستمرار في عرض المسلسل الإعلامي الدرامي لوزارة الداخلية.
المقصلة تطال المؤسسات الإعلامية
لم تسلم المؤسسة الصحفية في مصر من المقصلة التي أمر بها النظام، حيث تم تسريح المئات من الصحفيين، وإلغاء فترات المبيت في العديد من المواقع الإخبارية الإلكترونية، ورفض تعيين العاملين بعقود مؤقتة.
والمؤكد أن هناك اتجاه عام للنظام الحاكم نحو إعادة هيكلة تلك القنوات، وفلترة برامجها، ونشراتها الإخبارية، وإعلامييها باتجاه واحد يصب في آذان الحاكم، ويمتعه بما كان يشدو به السابقون: "عاش الملك ، مات الملك".