شهد الأسبوع الأول من الحملة الانتخابية التشريعية في
تونس، توترا سياسيا بين عدد من السياسيين ورؤساء الأحزاب في تونس، حيث شهد شتائم علنية وتراشقا بالتهم وشيطنة للخصم، ونفض الغبار عن ماضي المنافس، في خطاب سياسي وصف بالعنيف.
وكان آخر تصريح سياسي من هذا النوع لرئيس حزب الاتحاد الوطني الحر، سليم
الرياحي، الذي فتح النار على أحزاب منافسة ورموز سياسية محسوبة على نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، وهو ما جعل الناطق الرسمي باسم حزب حركة "
نداء تونس" يردّ عليه بقسوة ما صعد من حدة الخطاب.
حزب صلاحيته محدودة
ففي سياق انتقاداته لمنافسيه، وصف الرياحي في تصريح متلفز حركة "نداء تونس"، التي يرأسها الباجي قائد السبسي، بـ"حزب صلاحيته محدودة، وصنعه الإعلام واستطلاعات الرأي"، موضحا أنه "تمّ تكبيره وتوجيه الرأي العام نحوه"، مضيفا أنّه "لو كان هناك قانون يضبط هذه الاستطلاعات فلن نجد نداء تونس".
وتهكّم الرياحي من حزب "
حركة النهضة" أحد أبرز أحزاب "الترويكا" الائتلاف الحاكم، التي حكمت تونس خلال الفترة الانتقالية الحالية، قائلا إنّه بفضلها وُجدت حركة "نداء تونس"، الذي يقوم مشروعه فقط على التخويف من الإسلاميين، وأنّ التصويت لـ"النداء" هو بمثابة "الواجب الوطني من أجل إنقاذ تونس"، على حد قوله.
وواصل الرياحي انتقاده لحركة النهضة معتبرا أنها قدّمت "خدمة كبيرة لرموز نظام بن علي سواء المرشحين للرئاسية على غرار منذر الزنايدي وعبد الرحيم الزواري وكمال مرجان، أم الذين أسّسوا أحزابا وعادوا إلى الحياة السياسية في تونس"، حيث اعتبرهم جميعا "غير مصدّقين بما ينعمون به من حرّية".
وفي المقابل، وصف الناطق الرسمي باسم حركة "نداء تونس"، محمد لزهر العكرمي، "الملياردير سليم الرياحي"، القادم من ليبيا بعد ثورة 17 كانون الأول/ ديسمبر، بـ"الطفل"، مشككا في الدور الحزبي للرياحي، متسائلا: "منذ متى يقوم بالعمل السياسي".
واتهم الرياحي بأنه "تربّى على يد مدير مخابرات معمّر القذّافي، عبد الله السنوسي"، على حد قوله.
النهضة لا تورّث الأجيال الجديدة الأحقاد
ومن جهتها، اختارت "حركة النهضة الإسلامية" المضي في العمل "دون الالتفات إلى الوراء" أو الردّ على المنتقدين، أو الدخول معهم في "جدال عقيم"، على حد وصفها.
وجاء ذلك في كلمة زعيم الحركة، راشد الغنّوشي، السبت الماضي، أمام الآلاف من أنصاره، قائلا: "نحن تخلّينا على السلطة من أجل تونس، ومن أجل الوفاق، ومن أجل الديمقراطية، وها نحن اليوم على بعد أيام من الانتخابات. نحن الذين تمّ تهجيرنا وتعذيبنا، ونحن الذين تمّ جرحناوسجننا، واستشهد منّا العشرات، وعندما جاءت فرصة الانتقام لم ننتقم".
وأوضح أن "الانتقام كان سيشعل فتيل الفوضى والحرب الأهلية في بلادنا. لا نريد أن نورّث الأجيال الجديدة الأحقاد، نريد أن نورّثها ديمقراطيّة وسماحة وعدلا وحرّية. نحن ضدّ العقوبات الجماعية لأنها عقوبات غير عادلة. ففكر النهضة هو فكر التوافق والاعتدال وفكر الحرية. لأننا نحب تونس ولأننا رأينا تجارب غيرنا فقلنا لا للإقصاء، وجنّبنا تونس الانقسام".
استبطان العنف
وحول الخطاب السياسي الذي وصق بالعنيف، قال المحلل السياسي وأستاذ القانون الدستوري، الدكتور قيس سعيد، في تصريح لـ"عربي21" إن "الخطاب السياسي في الحملة الانتخابية الحالية لا تبدو في ظاهره دعوات واضحة للعنف، إذ إنّ المُعلن منه أقل بكثير من الذي لا يتم الإفصاح عنه".
وأضاف سعيّد: "يكفي أحيانا الانتباه الى بعض التصريحات خارج الأطر الرسمية أو إلى بعض اللافتات في عدد من الوقفات أو الاجتماعات لاكتشاف استبطان العنف من قبل عدد غير قليل، ومن ذلك دعوات للموت أو وصف الطرف السياسي المنافس بأنه مسؤول عن الاغتيالات. وكلّها شعارات وتصريحات تعكس مدى استبطان العنف من قبل هذه الأطراف التي تبدو في تحركاتها تعمل بشكل سلمي".
وأشار سعيّد إلى أنّ القضية بالنسبة الى هذه الأحزاب والشخصيات السياسية ليست تنافسا على مقعد أو مجموعة من المقاعد، "بل هي قضية وجود أو هي أكثر من ذلك. فكل طرف من هذه الأطراف يستمد مشروعيته من عدائه للطرف الآر وليس من الخطاب المعلن".
ولفت الأستاذ سعيّد الانتباه إلى أنّه "إذا كان التنافس هو صراع وجود وعداء ورفض مثل الانتقادات الاستعراضية أو كيل الشتائم للخصوم أوالقاء الحجارة أو تمزيق بعض المعلقات أو الاعتداء على بعض المواكب، ونحن في بداية الحملة الانتخابية، فهذا مؤشر إلى إمكانية تطور أحداث العنف في قادم الأيام وخاصة حين تعلن نتائج الانتخابات".
وأوضح سعيد أن "القضية هي قضية عدد من القوى التي تتصارع في ما بينها دون أن يكون لها امتداد شعبي حقيقي". مضيفا أن "تونس رغم تلاطم أمواجها فقد وصلت إلى شاطئ الأمان، ومن الضروري أن يتمّ توجيه الخطاب نحو البرامج والتصورات، وأن يحاول كل من جهته الترفّع عن الابتذال السياسي، فحلقة الفعل وردّ الفعل لا يمكن لأيّ طرف الخروج منها".