كتب بن وايت في موقع "مراقبة الشرق الأوسط" (ميمو)، عن حملة الضغط التي قامت بها
إسرائيل والذين يعتذرون عن جرائمها في بريطانيا، ضد المجلة الطبية البريطانية "
لانسيت".
ويذكر وايت أن القصة بدأت أثناء حرب
غزة، التي شجبها العالم، وأدت إلى دمار شامل في القطاع، وخلفت وراءها 2.131 قتيلا،منهم 501 طفل، 11.231 جريحا منهم 3.436 طفلا. وعرضت كل سكان القطاع (1.8 مليون) المحاصر منذ أكثر من سبع سنوات لقصف جوي استمر خمسين يوما. ودمرت الطائرات والمدافع ثلث مناطق القطاع، وتركتها غير صالحة للسكن، و62 مستشفى وعيادة طبية و 220 مدرسة و419 مصنعا ومتجرا.
وأدت "المذبحة" "وقتل الأطفال وذبح المدنيين"، بكلمات وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، إلى جمع كم كبير من الأدلة تدين ارتكاب الجيش الإسرائيلي مجازر حرب، ووثقتها منظمات حقوق إنسان فلسطينية ودولية وإسرائيلية مثل "بيتسيلم" و"عدالة"، بحسب الموقع.
وكرد على هذا الوضع نشرت مجلة "لانسيت" رسالة وقعها 24 طبيبا "شحبوا" فيها الهجمات على غزة. وتحدث الموقعون في الرسالة عن أساليب الجيش الإسرائيلي وأثرها على الفلسطينيين والسياق السياسي للحرب. ودعت المجلة القراء لإبداء آرائهم، والتوقيع على الرسالة، التي أضاف إليها 20.000 شخص أسماءهم في أسبوع واحد (ولم تعد الأسماء موجودة؛ نظرا للمخاوف على حياتهم والتهديدات التي تعرضوا لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي)،
ويصف الكاتب ردة فعل إسرائيل ومؤيديها على الرسالة؛ حيث طالبت وزيرة الصحة الإسرائيلية يائيل جيرمان بسحب الرسالة من الموقع، وهاجمتها بوصفها رسالة "تظهر جانبا واحدا ونصا سياسيا". وقالت الوزيرة "لا تذهب إسرائيل للحرب من أجل القتل"، في الوقت الذي كان الجيش الإسرائيلي فيه يدك غزة جوا وبرا.
وهاجم المدير العام لوزارة الصحة أرنون أفك الرسالة قائلا "من جانب واحد، فضيحة من جانب واحد تصل وفرية دم" (في إشارة لاتهام اليهود بقتل الناس لصنع فطائر لأعيادهم)، ووعد المسؤول "بشن احتجاج قاس ضد المجلة".
ويشير وايت أنه بعد ذلك دعت عريضة لمقاطعة مجلة "لانسيت"، حتى يتم فصل مدير تحرير المجلة ريتشارد هورتون. وهددت العريضة المجلة وناشرها "إيلسفير" بعدد من "الخيارات"، بما فيها المقاطعة وإلغاء الاشتراكات، وتوصلت العريضة في نتيجتها إلى أن المجلة الطبية "تدعم بطريقة غير مباشرة منظمات إرهابية".
وتم توزيع العريضة بشكل واسع من قبل اختصاصي أمراض القلب اوري بن يهودا، حيث حشد دعما من خلال العناوين الإلكترونية التي بحوزته في مؤسسة أبحاث القلب. فيما طالب مركز أصدقاء سايمون ويسنتال لأبحاث الهولوكوست في كندا بالاعتذار والتحقيق، واتهمت منظمة "باحثون من أجل السلام" في الشرق الأوسط بأن لديهم "علاقات مالية وثقافية مع الإرهاب"، وتلقى المحرر هورتون رسائل كثيرة.
ويقول وايت إن من أدار الحملة منظمة إسرائيلية اسمها "أن جي أو مونيتور"، والتي تقوم بتشويه سمعة وملاحقة المدافعين عن حقوق الإنسان، ويديرها جيرالد ستاينبرغ وعمل مع الحكومة الإسرائيلية.
وفي خلال شهر آب/ أغسطس نشر موقع "ان جي أو مونيتور" تقريرا عن "لانسيت"، و"تاريخ استغلال الطب في الحروب السياسية ضد إسرائيل"، وخلف الرسالة مقال رأي كتبه ستاينبرغ في مجلة "هايوم" تحت عنوان "أطباء من أجل الإرهاب".
ورغم مرور شهر على الحملة والعريضة فإنه لا توجد هناك أية إشارات عن رضوخ "لانسيت" للضغط.
لكن الاعتذاريون عن إسرائيل استطاعوا تحقيق تقدم؛ عندما وجدوا أن مؤلف رسالة "لانسيت" هي الدكتورة باولا ماندوكا، والتي قامت بإرسال لمجموعة على غوغل في 14 آب/ أغسطس ولزميلتها الدكتورة سوي أنغ، وتحتوي الرسالة على رابط لأحد أعضاء المجموعة العنصرية كوكلاكس كلان ديفيد ديوك. وقامت "أن جي أو مونيتور" بنسخ الرسالة وأرسلتها لناشر "لانسيت" ريتشارد هورتون، ومؤسسة الرقابة "أومبدسمان"، إضافة "للعاملين في الإعلام".
وتم نشر الاكتشاف على موقع "أن جي او مونيتور" باللغة العبرية في 1 أيلول/ سبتمبر، وباللغة الإنجليزية في 10 أيلول/ سبتمبر، وفي صحيفة "تلغراف" البريطانية في 22 أيلول/ سبتمبر تحت عنوان "اختطاف جماعة معادية لإسرائيل لانسيت".
وأعد التقرير جيك ويلز سيمونز، والذي نقل واستشهد بموقع "أن جي أو مونيتور" في مقال سابق هاجم فيه منظمة "أوكسفام"، ومن بين الجهات الأولى التي أرسل سيمونز المقال إليها كانت السفارة الإسرائيلية في لندن، وموقع "أن جي أو مونيتور".
وبسبب الضغط المتزايد والشديد سافر هورتون في رحلة إلى إسرائيل، بدعوة من مسؤولين بارزين في مستشفى رمبام في حيفا، مدير البحث الطبي، كارل شوركي ومدير مركز رافي بيار. وعندما سافر شددت منظمة "أن جي أو مونيتور" الحملة، وكتب ستاينبرغ مقالة رأي نشرتها صحيفة "جيروزاليم بوست".
وكانت رحلة هورتون بدعم من وزارة الصحة، واشتمل جدول زيارة هورتون لقاء وزيرة الصحة. وبحسب مستشفى رمبام، فقد كان الهدف من الزيارة هو اطلاع هورتون على "مؤسسات إسرائيل الطبية المتعددة ثقافيا"، والتي "تخيل" أنها "تستقبل مرضى من الضفة الغربية وقطاع غزة". والهدف كما قال منظمو الرحلة هو "عرض التنوع في المؤسسات والطاقم الطبي"، "ويتساءل الإنسان فيما إن تمت الإشارة لعربي وهورتون يسير في أروقة المستشفى" حسب وايت.
ويضيف الكاتب أن "التعدد الثقافي" في مستشفيات إسرائيل كان دائما النقطة المهمة في حملة الدعاية "هاسبارا". وفي الحقيقة فقد شمل عرض مستشفى رمبام دعاية لزيارات سياسية، وشارك فيها كل من شيروكي وبيار.
وعلق داني أيلون، نائب وزير الخارجية السابق في تغريدة على زيارة هورتون "الحقيقة تربح دائما، شكرا لك يا مستشفى رمبام على العمل الجميل والمؤثر – هاسبارا-"(2 تشرين الأول/ أكتوبر- 2014).
وشملت الزيارة أيضا لقاء مع أسا كاشير، مؤلف القواعد الأخلاقية في الجيش الإسرائيلي، و"الطبيب الذي عمل في ساحة المعركة اثناء حرب غزة". ولكن المناسبة الأهم لزيارة هورتون هي خطابه الذي عبّر فيه عن ندمه "للاستقطاب غير الضروري"، الذي تسببت به الرسالة، وعبّر عن رعبه من "الفيديو الذي أرسله مؤلفا الرسالة". واعتبر زيارته "نقطة تحول في علاقته بالمنطقة".
ما هو رد فعل مهاجمي هورتون؟
يجد وايت أن رد فعل مهاجمي هورتون كان مزيجا، فقد لفتت "أن جي أو مونيتور" الانتباه لما قدمته تعبيرا عن الندم، وعبّر ستاينبرغ عن "إعجابه". ولكن "أن جي أو مونيتور" لم تضيع وقتا في تقديم سلسلة من المطالب، منها إنشاء آلية متابعة ومراجعة لكل مقال له علاقة بإسرائيل نشرته "لانسيت" منذ عام 2001.
وكتب هورتون مقالا افتتاحيا بعد عودته من رحلته "نقطة التحول"، وأعلن فيه عن معارضته للمقاطعة ضد إسرائيل، وحدد عددا من القواعد والأسس العامة للمقالات "السياسية" المقدمة للنشر، وأكد أن "لانسيت" ستبدأ بنشر سلسلة من المقالات حول النظام البحثي الإسرائيلي في مجال الطب والصحة.
وحظي الإعلان بثناء "أن جي أو مونيتور"، واعتبرته تراجعا عن "استخدام واستغلال الطب ضد إسرائيل". ولم ترض منظمة ستاينبرغ بالكامل عن هورتون، حيث لم تر فيما كتبه تراجعا بالكامل، وتحللا من الدور الذي لعبه في نشر الرسالة. ولكن المدير العام في وزارة الصحة أفيك عبر عن إعجابه بالافتتاحية، وقال شيروكي من مستشفى رمبام إن ما كتبه هورتون هو تعبير "عن معارضة واضحة لكل أشكال المقاطعة الجديرة بالثناء".
وفي مقابلة أجريت معه في الفترة الأخيرة أعلن هورتون أن "لانسيت" "لن تنشر رسالة مثل هذه مرة أخرى". وقال إن سلسلة المجلة عن النظام الصحي الإسرائيلي القادمة ستشمل مقالة عن مستشفى رمبام وطاقمها الصحي. وفي الوقت نفسه سيواصل مدير "أن جي أو مونيتور" ستاينبرغ حملته، وسيلقي خطابا أمام حضور لـ"مهمة طبية تعليمية" تحت عنوان "الرد على انتهاك السكان المدنيين لأهداف سياسية في عصر الحروب المنسقة"، وهي ندوة ورحلة تعليمية تنظمها الجمعية الطبية الإسرائيلية، وتشمل زيارات للمراكز الطبية الإسرائيلية، ويسهم فيها الجيش الإسرائيلبي ومؤسسة الضغط "كاميرا" ومؤسسة الدعاية الإعلامية "هاسبارا"، "هذه مليئة بالنشاط للاعتذاريين عن
جرائم الحرب".