"قررت أن أكتب لكِ خطابًا، أعلم جيدًا أنك لن تقرأيه، لكنني اشتقت أن أستيقظ إثر عبث أناملك الصغيرة بخصلات شعري، أو أستيقظ لأنك تنطقين بحروف غير مفهومة إلى جواري وكأنك تناديني بابا، لا أعلم إن كنت تقصديني فعلاً أم أن الصدفة هي من قادتك لنطق الحروف بهذه الطريقة".
"أكتب لأخبرك صغيرتي أنني بدأت إضرابًا مفتوحًا عن الطعام، أضربت لأنهم حرموني تأمّل ملامحك البريئة وأنت تكبرين أمام عيني يومًا بعد يوم، أضربت لأنهم حرموني أن أكون أول من يشتري لك لعبة، أضربت لأنني نادمًا على كل مرة عدت فيها من عملي دون أن أوقظك لأشبع من تفاصيلك قبل أن يحرموني منها".
بهذه الكلمات جاءت بداية العرض المسرحي "حكايات
الأمعاء الخاوية" والذى احتضنته الجامعة الأمريكية، وسط القاهرة، ونظمه مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان (مستقل)، مساء الأحد، ليوثّق بشكل تمثيلي معاناة بعض المضربين عن الطعام في السجون
المصرية ممن قرروا مؤخرًا خوض معركة "الأمعاء الخاوية" والإضراب عن الطعام.
وقالت منى نادر، مدير وحدة الإعلام بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، إن "فكرة العرض مستوحاة من شهادات الكثير من
المعتقلين المضربين عن الطعام في السجون، بعضهم نجحنا في التواصل معهم بشكل مباشر من خلال حقوقيين ومحاميين والبعض الآخر حصلنا على شهاداتهم من خلال لقاءات جمعتنا بذويهم".
وأضافت: "ثم بدأنا في عقد ورشة عمل هدفها مزج كل ما وثّقناه من شهادات في سبع شخصيات تمثيلية يؤديها على المسرح سبعة متطوعين من المركز في رسالة فنية لا تتحيّز لمعتقل دون الآخر، وإنما تلملم المآسي المتشابهة في شهاداتهم وتطلع عليها الرأي العام المصري كي يتعاطف معهم جميعًا ويدعم مطالبهم العادلة على اختلاف تصنيفاتهم السياسية".
الناشطة الحقوقية الشابة أكدت على أن المركز مسؤول عن صحة المعلومات الواردة بالعرض المسرحي وأنهم "التزموا بعرضها كما جاءت على لسان أبطالها الحقيقيين"، لكنهم مزجوا هذه المعلومات بشكل إنساني يناسب القالب الفني الذي سيقدم من خلاله و في نفس الوقت يستعرض معاناة كافة المضربين عن الطعام في السجون المصرية لذلك لم يشر العرض لاسم بعينه من أسماء المضربين.
التقط أطراف الحديث منها شادي عبدالله، مخرج العرض المسرحي، الذى اعتبر أن "أكثر ما يميّز العرض تسليط الضوء على قضية الإضراب عن الطعام بشكل عام وليس على معتقل بعينه".
ومضى قائلا: فن القص (الحكي) أداة مثالية للمقاومة والتوثيق لذلك "اخترت هذا القالب الفني كي نعكس من خلاله للجمهور الأسباب التي دفعت عشرات الشباب لخوض معركة ضد فطرتهم بالامتناع عن الطعام ليحصلوا على القسط الذي يليق بوطنهم من حرية الرأي والتعبير".
وأشار المخرج الشاب إلى أن عرضه المسرحي "مضاد للنهج الذي يسير عليه الإعلام المصري من محاولة تجاهل هؤلاء المضربين أو تشويههم"، لافتًا إلى أن عرض "حكايات الأمعاء الخاوية قائم على جوانب إنسانية بحتة تخبر الجمهور لماذا يتمسك المضربون عن الطعام بإضرابهم لهذا الحد ؟ وما الثمن الذى يدفعونه نظير تمسكهم هذا ؟"
وحرص العرض المسرحي "حكايات الأمعاء الخاوية" على تسليط الضوء على الصحفيين المحبوسين في مصر من خلال أحد المتطوعين الذى جسّد شخصية مصور صحفي بوكالة أنباء أجنبية ألقي القبض عليه أثناء تأدية عمله وظل في السجن تسعة أشهر دون توجيه تهمة له ما دفعه للإضراب عن الطعام.
كما سلط العرض الضوء على أطباء المستشفى الميداني باعتصام ميدان
رابعة العدوية، شرقي القاهرة، ممن ألقي القبض عليهم ليلة فض الاعتصام من قبل قوات حكومية في الرابع عشر من أغسطس/آب 2013 ولم يفرج عنهم حتى اليوم، بحسب ما جاء بالعرض.
وفي 14 أغسطس/ آب من العام الماضي فضت قوات من الجيش والشرطة بالقوة اعتصامين لأنصار مرسي في ميداني "رابعة العدوية" و"نهضة مصر" بالقاهرة الكبرى؛ ما أسفر عن سقوط 632 قتيلا منهم 8 شرطيين، بحسب "المجلس القومي لحقوق الإنسان" في مصر (حكومي)، في الوقت الذي قالت منظمات حقوقية محلية ودولية (غير رسمية) إن أعداد القتلى نحو الألف.
أما العنصر النسائي فكان حاضرًا بقوة في العرض المسرحي من خلال أكثر من مشهد تمثيلي جسّد معاناة المضربات عن الطعام في السجون، ولكن أكثر المشاهد التي تعاطف معها الجمهور فكانت لفتاة ألقي القبض عليها من الشارع؛ لأن على حجابها طابعًا يحمل شعار "رابعة العدوية".
وعلى هامش العرض، حرص مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان على تقديم حقائق طبية عن الإضراب عن الطعام، أولها أن تكوين الشخص الجسماني وكم الدهون والعضلات بجسده أمور تحدد الفترة التي يمكن أن يقضيها على قيد الحياة رغم إضرابه الكلي عن الطعام، وإن كان متوسط هذه الفترة 60 يومًا.
وأوضح المركز أن الجسم يحصل على غذائه أثناء الإضراب من خلال المخزون الاحتياطي للجلوكوز والذي يتراكم على هيئة جليكوجين في الكبد لكن بكميات قليلة.
بعد ذلك يبدأ الجسم في تأمين الجلوكوز من الأنسجة الأخرى ابتداءً من العضلات، وهذه العملية تبدأ بتحليل البروتينات إلى أحماض أمينية ومن ثم إلى جلوكوز، ونتيجة لذلك تصاب العضلات بالضعف والضمور ويقل حجمها.
وفي النهاية، ينتج عن عملية تحلل الجلوكوز مركبات كبريتية سامة بالجسم يعمل المضرب على تقليل خطرها بتناول الماء والملح لكنها في النهاية تصيبه بالتسمم، بحسب المركز الحقوقي، الذي أوضح أن العديد من إدارات المستشفيات و السجون تستخدم الـ " كانيولا" لإيصال محاليل ملحية لدم المضرب بطريقة مباشرة أو لإمداده بمحاليل تغذية دون علمه ما يجعله يقوى على مواجهة الإضراب لفترة أطول.
ومنذ يوم 13 سبتمبر/ أيلول الماضي، دخل معارضون في إضراب عن الطعام ضمن حملة "الأمعاء الخاوية" التي دعت لها أحزاب معارضة للسلطات الحالية؛ للمطالبة بإطلاق سراح المحبوسين على ذمة قانون التظاهر وإسقاطه.
ووصل عدد المضربين عن الطعام داخل وخارج مقار الاحتجاز إلى 1177 ناشطًا، منهم 148 لايزالون تحت الإضراب من بينهم 141 داخل أماكن الاحتجاز و7 خارجه، وفقًا لآخر تحديث لأعداد المضربين صادر عن حركة "الحرية للجدعان (ذوي الشهامة)" (شبابية) منتصف الشهر الجاري.
و"الحرية للجدعان" حركة شبابية تأسست في فبراير/ شباط الماضي، بعد القبض على مئات النشطاء وتوجيه اتهامات لهم بالانتماء لجماعة الإخوان المسلمين؛ وحيازة قنابل ومتفجرات، وتهدف إلى الدفاع عن المعتقلين، بغض النظر عن الانتماء السياسي أو التنظيمي لهم، وفق البيان التأسيسي لها.
ويواجه قانون التظاهر، الصادر في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، انتقادات واسعة حيث يرى منتقدوه أنه "يقيّد الحريات".
وينص القانون على ضرورة الحصول على ترخيص من وزارة الداخلية قبل التظاهر، ويفرض عقوبات على المخالفين تصل إلى السجن والغرامة، كما يتيح لقوات الشرطة التدرج في استخدام القوة لفض التظاهرات المخالفة، وهو ما يرفضه النشطاء.
ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان (غير حكومي) تأسس عام 1993، ومنذ تأسيسه يقوم المركز بشكل منتظم بنشر كتب ودوريات تتناول قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية في العالم العربي.
ويتمتع المركز بوضع استشاري خاص في المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالأمم المتحدة، وصفة المراقب في اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، كما أنه عضو في الشبكة الأوروبية المتوسطية لحقوق الإنسان، والشبكة الدولية لتبادل المعلومات حول حرية الرأي والتعبير (ايفكس).