لم تثن النتائج الأوليّة التي تصدّرت من خلالها حركة
نداء تونس في انتخابات البرلمان عن مضي زعيمها الباجي قايد السبسي نحو السباق الرئاسي. إذ يتمسّك هذا الأخير بقرار ترشّحه بشكل نهائي ما يعني رغبة حزب النداء في الاستئثار برأسي السلطة التنفيذية.
ورغم أن نداء تونس اليوم في وضع أصعب بكثير ممّا كانت عليه حركة
النهضة في انتخابات أكتوبر 2011، ما يضطره إلى الدخول في حكم تشاركي، إلاّ أنّ تصريحات رئيسها بالتعايش وليس الائتلاف أو التحالف مع الأحزاب الفائزة في الانتخابات يثير الشكوك حول رغبته الحقيقية في تقاسم السلطات مع بقية الأحزاب.
ويذكر التونسيون عبارة للباجي قايد السبسي حين كان على رأس الحكومة المؤقّتة في أوت/أغسطس 2011 لمّا سئل عن سبب تعيين وزير للدّاخلية عمل مع نظام بن علي السابق، ورهْن البلاد في الديون، فأجاب باللهجة التونسية "أنا نحكم وحدي وما يدبّر عليّ حدْ". واليوم يبدو أن قايد السبسي ماض، نظريّا على الأقل، في نهج التغوّل في الحكم إذا ما فاز في الرئاسية.
وفي الطرف المقابل من الساحة السياسية اختارت حركة النهضة بعد فوزها في انتخابات 2011 الدخول في تحالفات مع حزبين لا ينتميان إلى عائلتها السياسية، المؤتمر والتكتل، وتقاسمت معهما الحقائب الوزارية إلّا أنها لم تسلم من الانتقادات التي اتهمتها بالاستئثار بالسلطة.
• حزب رئاسي
واعتبر لطفي زيتون، المستشار السياسي لزعيم حركة النهضة راشد الغنّوشي في تصريح لـ"عربي 21" أنّ حركة نداء تونس حزب رئاسي تأسّس من أجل الرئاسة. مضيفا أن رغبة قايد السبسي واضحة جدّا وهي كرسي الرئاسة. متسائلا: هل سيسمح الشعب لنداء تونس بالجمع بين الحكومة والرئاسة؟
ولفت محدّثنا إلى الموقف الذي سجّله زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي بانسحابه من المنافسة السياسية منذ عودته إلى تونس كي يحافظ على وطنه ثمّ حزبه.
وأشار زيتون إلى "الثمن الباهض الذي دفعته الطبقة السياسية القديمة بسبب الانانية و"الزعامتية" على غرار الزلزال الذي ضرب عديد الأحزاب في أعقاب الانتخابات الأخيرة".
• تنازلات مؤلمة للشيوعيين
واضاف قائلا: "النهضة تلقّت الرسائل من شعبها، لكنها تُعتبر الثابت الوحيد في المشهد السياسي وستكون ممثلة في البرلمان بحجم محترم جدا.. نحن نعتقد أنّ العقلية التي يجب ان تشكل من خلالها الحكومة القادمة هي عقلية المصلحة الوطنية وليس حكومة محاصصة. ولا ننسى أنّ وضع نداء تونس اليوم أصعب بكثير ممّا كانت عليه النهضة في انتخابات أكتوبر 2011، وهو غير قادر على تكوين حكومة بمفرده وسيضطر اما الى تقديم تنازلات مؤلمة للشيوعيين او تشكيل حكومة مع النهضة".
وختم زيتون حديثه لـ"عربي 21" بأنّ أصواتا متطرفة داخل نداء تونس مازالت تتحدث عن النمط المجتمعي وهي اليوم تحت صدمة الفوز وحين تتولّى الحكم ستحدث لها الصدمة الحقيقية لأن مشاكل الناس أبعد ما يكون عن النمط المجتمعي.
• المتقاربون في النمط المجتمعي
وتحدّثت الناطقة باسم نداء تونس عائدة القليبي لـ "عربي 21" قائلة إن حركتها لن تتحدث عن أيّ تحالفات قبل معرفة النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية. كما لا يمكن طرح هذا الموضوع لارتباطه بـ"الرئاسية" بحسب تعبيرها. مضيفة إنّ المسار السياسي بالنسبة إلى نداء تونس يتكوّن من جزئين مرتبطين أساسا بـ"الرئاسية" و"البرلمانية".
وأضافت القليبي إلى أن نداء تونس لن يحكم البلاد وحده وسيتعامل مع أحزاب من "العائلة الديمقراطية التي تشبه"، في إشارة إلى أحزاب افاق تونس والمبادرة والجبهة الشعبية والاتحاد من أجل تونس رغم عدم حصول هذا الأخير على أي مقعد في البرلمان.
وفي السياق نفسه قال القيادي في نداء تونس محسن مرزوق في تصريحات إعلامية إنّ "حزب النداء لديه حلفاء سيتحدث معهم في خياراتنا حول تشكيل حكومة. كما سنتحالف مع المتقاربين في النمط المجتمعي معنا، وبالنسبة إلى حركة النهضة فهي الى حد الآن لا تشبهنا"، بحسب قوله، ما يعني فرضية عدم تحالف النداء معها.
• السلطة التنفيذية برأسيها
ومن جهته اعتبر الكاتب والمحلّل السياسي صلاح الدين الجورشي في حديث لـ"عربي 21" أن نداء تونس لا يمكنه الاستئثار بالحكم "فلا خيار له سوى التحالف مع أحزاب تضمن له الأغلبية البسيطة داخل البرلمان رغم قناعتنا بأنّ مضي الباجي قايد السبسي في مواصلة الترشح للرئاسية هو رغبة واضحة في الاستئثار بالسلطة التنفيذية برأسيها، رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية، لذلك الان في مستوى التقديرات فإنّ نداء تونس يعطي الاولية للانتخابات الرئاسية قبل الحديث عن تشكيل حكومة أو التحاور بخصوصها وأي طرف سيتحالف مع النداء لا بد ان يكون متفقا معه على دعم قايد السبسي في الانتخابات الرئاسية".
• وضع النداء لن يكون مريحا
وتساءل أستاذ القانون الدستوري الدكتور قيس سعيد في تصريح لـ"عربي 21" هل أنّ نداء تونس قادر فعلا على الاستئثار بالسلطة في مستوياتها الثلاثة من دون تحالف مع تنظيم سياسي على غرار حركة النهضة صاحبة الكتلة الثانية عدديا في البرلمان القادم؟.
وأكّد سعيّد أنّ نداء تونس ليست لديه أغلبية مُطلقة تمكنه من الاستئثار بالسلطة وهو في حاجة إلى دعم من حزب كبير في حجم النهضة، أو احزاب أخرى مجتمعة وهذا قد يكون مستحيلا لطبيعة برامج ورؤى تلك الأحزاب المختلفة والمتضاربة أحيانا ما يعني عدم التقائها في تحالف مع النداء.
وختم الدكتور قيس سعيّد حديثه مع "عربي 21" قائلا إنّ نداء تونس حتى ان حصل على عدد من المقاعد يفوق النهضة الا انّه سيحتاج إلى تحالفات كي يحكم أو يُمرّر القوانين التشريعية تحت قبّة البرلمان وعموما وضعه لن يكون مريحا في سدّة الحكم.