في
اليمن، هناك أمور كثيرة سيئة تحدث، وقليلة هي الأمور الجيدة، أحد هذه الأمور الجيدة، ما حدث الجمعة الماضي الــ7 من نوفمبر، فقد تم النيل من رأس الأفعى التي سمّمت الحياة السياسية في هذا البلد وقوّضت عملية الانتقال السياسي السلمي، إنه الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، الذي أراد هذا اليوم أن يكون فاصلاً في مسيرته التي يغلفها السوء من كل جانب، بإظهار تحديه للجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن، وتحريك المسيرات الداعمة لهذا التحدي الاستعراضي، وهي طريقته المعتادة في الإفلات من العقاب كما حدث طيلة السنوات الثلاث الماضية.
هذه المرة لم يفلح هذا المراوغ، في تجنب العقوبات التي اعتمدت ضده وضد اثنين من قياديي الجماعة
الحوثية المسلحة، بشكل رسمي من قبل اللجنة التي تتشكل من 15 عضواً ، رغم محاولته اللعب بذكاء على طلبٍ وديٍ تلقاه حزبه المؤتمر الشعبي العام، من السفير الأمريكي بصنعاء، عبر وسيط ثالث، يحمل فرصة ثمينة لصالح إن هو قبل بمغادرة اليمن، وهي تجنب التعرض للعقوبات التي نص عليها قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2140) الذي صدر تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهي المنع من السفر وتجميد الأرصدة، ما اضطر السفارة الأمريكية إلى نفي الواقعة برمتها.
فقد أوعز صالح إلى حزبه بأن يتبنى حملة لتثوير الشارع، هدفها تقديم صالح رمزاً وطنياً لمقاومة الهيمنة الأمريكية والخارجية، وهو توجه يتناغم مع شعارات وأطروحات الجماعة الحوثية المسلحة، المدعومة أصلاً من إيران، والتي تتركز حول مناهضة "التدخل الخارجي في الشؤون اليمنية"، ورفض "انتهاك السيادة الوطنية لليمن"، ولهذا كان لافتاً ترديد المتظاهرين الذين تجمعوا في ميدان التحرير بصنعاء، عبارات تطالب بطرد السفير الأمريكي، والوسيط الدولي جمال بنعمر.
هذه الشعارات المقبولة شعبياً، هدفها الأخير، هو تحييد أي تأثير للمجتمع الدولي، في مجريات الأحداث في اليمن، لكنها محاولة يائسة على كل حال، لأن عملية الانتقال السياسي في هذا البلد، تمثل منتجاً خارجياً بامتياز. والأمر لا يتوقف عند حدود التأثير في مجريات الأحداث، ولكنه يشمل قضايا جوهرية منها؛ ضمان استمرار عملية الانتقال السياسي، ضد أي انحراف كالذي نشهده اليوم، حيث يفرض حلف (صالح- الحوثي) سلطة الأمر الواقع الميدانية، على حساب الدولة ووجودها وتأثيرها، إلى جانب ما يمثل استمرار تقديم الدعم المالي والإغاثي من أهمية لدولة تعاني عملياً من شبح الإفلاس.
وتدخل بهذا المستوى وإن كان خارجياً، لا يمكن تحييده، وإلا لكان صالح وحليفه الحوثي قد أنهوا السلطة الانتقالية في وقت مبكر، لو كان بوسعهم ضمان تسيير شؤون الدولة بدون تلك المساعدات التي تأتي من مجموعة أصدقاء اليمن.
كان صالح يخطط لإفشال حكومة هادي، ودفع الرعاة الدوليين للتسوية السياسية في اليمن إلى التراجع عن الاستمرار في دعم سلطة انتقالية فاشلة، شجعه على ذلك توفر إرادة دولية وإقليمة كتلك التي أمنت الغطاء لاقتحام المليشيا الحوثية المسلحة صنعاء في 21 أيلول/ سبتمبر، ولكنه غطاء كان دافعه انتهازياً بائساً، حيث سمحوا لصالح وحليفه الحوثي بالقيام بمهمة ثأر قذرة من خصومهم السياسيين، وخصوصاً الإسلاميين، في لحظة فارقة من التقاء المصالح بين إرادات متضادة.
وما حدث أن صالح وحليفه الحوثي أرادوا الذهاب إلى أبعد من ذلك، في حين أن المجتمع الدولي لم يقبل بالتخلي عن دعمه للسلطة الانتقالية برئاسة الرئيس عبد ربه منصور هادي، وهنا حصل التصادم، وتم إيقاع العقوبات التي تأجلت كثيراً.
ورغم أن هذه العقوبات قد أصابت أخيراً رأس الأفعى وسوف تشل حركته بالتأكيد، فإنها جاءت مبتورة، إذ كان يفترض أن تشمل أيضاً، زعيم الجماعة الحوثية المسلحة؛ عبد الملك الحوثي، الذي سبق لمجلس الأمن وأن حدده بالاسم في أحد بياناته كأحد المساهمين في تقويض العملية السياسية، كما حدد بالاسم كذلك، الزعيم اليمني الجنوبي الموالي لإيران، علي سالم البيض.
في تقديري لولا انتهازية وتواطؤ المجتمعين الإقليمي والدولي، لكانت العقوبات قد اعتمدت ضد المعرقلين في وقت مبكر، ولكن للأسف كان يجري تأجيلها باستمرار، مما قلل من تأثير اعتمادها في هذا التوقيت، وبعد حدوث تغييرات كبيرة لفائدة المعرقلين، ورفع من كلفة إنفاذها وتحقيق أهدافها على الأرض.
بالتأكيد ما يزال لدى صالح جمهوره المستعد دائماً للتظاهر، إذا توفرت الحوافز المالية، وجمهور مرتزق كهذا لا يهم إن كان يتظاهر حتى ولو للإبقاء على أرصدة رئيسه السابق في الخارج مفتوحة، رغم أنها تكونت من أعمال غير مشروعة، وعلى حساب تنمية ورفاهية الشعب اليمني.