كتب مراسل موقع "ميدل إيست آي" محمد عمر عن سياسة هدم المنازل في
سيناء وصداها قي قطاع
غزة:
يقول عمر: يركض الطفل لطفي عبيد، ذو الثلاثة أعوام إلى داخل منزله في مخيم يبنا للاجئين في رفح جنوبي القطاع، وهو يصيح "إنهم يفجرون ثانية.. إنهم يفجرون ثانية"، ويحاول الأب وعمات الطفل تهدئته وإخباره بأنها ليست حربا جديدة تشنها إسرائيل، وإن حرب الخمسين يوما الصيف الماضي انتهت، ولن تحصل مرة أخرى.
ويضيف أنه بالرغم من هذه الكلمات يبقى لطفي ممسكا بيد أخته البالغة من العمر ست سنوات، وهي أيضا تعيد ما قاله أبوه بأن الحرب انتهت، ولكن لطفي يبقى متوترا وغير مقتنع، ويبدو الخوف واضحا في عينيه.
ويجد عمر أن ما لم يستطع الطفل الصغير استيعابه هو أن التفجيرات هذه المرة لا تستهدف منطقة آل عبيد، ولكنها تبعد بعض مئات الأمتار عن بنايتهم المؤلفة من ثلاثة طوابق عبر الحدود مع
مصر، حيث يقوم الجيش المصري بتفجير بيوت المصريين القريبة من الحدود مع غزة في محاولة لإنشاء منطقة فاصلة.
ويشير التقرير لزعم الحكومة المصرية بأن
أنفاق التهريب تستخدم للقيام بهجمات ضد الجيش، وقد تزايدت هذه الهجمات في الفترة الأخيرة، مع أن
حماس تقول إن الحدود آمنة، وإنها لن تسمح لأي تهديد لمصر عبر الحدود مع غزة.
ويفيد الكاتب أنه مع كل تفجير يتم عبر الحدود هناك آثار ملموسة من شظايا تصل غرة، وتنتشر حول بيت عائلة عبيد.
ويبين الموقع أنه بينما يحاول عم الطفل محمود عبيد، البالغ من العمر 25 عاما، أن يشرح لبنات أخيه ما يحصل، يقاطعه انفجار آخر في مكان قريب، ويتطاير الدخان والشظايا على الشوارع، ويضطر أطفال المدارس إلى الاختباء.
ويصف عمر المشهد، حيث يعم الالتباس الشارع، فلا أحد يريد أن يصدق بأن هذه التفجيرات تقوم بها مصر، ولا يستطيع الناس الفهم كيف يمكن لمصر أن تبدأ حربا جديدة على غزة، بعد ما حصل خلال الصيف عندما قتل 2100 شخص، بينهم 495 طفلا، وما يزيد الأمور تعقيدا هو أنه لا أحد يعلم ماذا يحدث في الجانب المصري من الحدود.
وينقل التقرير عن محمود عبيد، بينما يدخل شقته المطلة على الحدود مع مصر في الطابق الثاني من البناية: "تتم هذه التفجيرات فجأة ودون سابق إنذار".
ويورد التقرير أن المرء يستطيع أن يرى الجنود المصريين يأتون في مصفحاتهم، ويزرعون المتفجرات تحت البنايات عبر الحدود، ثم يختبئون تحت سياراتهم، ولكن عبيد لا يستطيع رؤية أكثر من هذا من خلال نوافذ بيته التي حطمتها التفجيرات.
كان يظن أن الدفء هو الحاجة الأساسية التي تحتاجها عائلته في هذا الهواء الشتوي البارد، ولكن أصداء التفجيرات القادمة عبر الحدود جعلت دخول تيار هواء بارد إلى البيت ليس الهم الأكبر للعائلة، بحسب التقرير.
ويقول عبيد لـ"ميدل إيست آي": "الآن ليس لدينا خيار إلا أن ننزع النوافذ الزجاجية المتبقية لتجنب تشظي الزجاج بسبب التفجيرات".
ويعلق الكاتب بأن النوافذ الزجاجية سلعة ثمينة، وليست هناك فرصة لعبيد وعائلته لتغيير زجاج النوافذ قبل دخول الشتاء، ما يعرض مئات العائلات في جنوب غزة لمزيد من المخاطر.
ويرى عبيد أنه "من حق المصريين أن يحرصوا على أمنهم، ولكن المتفجرات التي يستخدمونها تتسبب بالمخاطر لنا أيضا".
ويلفت التقرير إلى أنه عندما تم تفجير بيت قبل أيام في الجانب المصري، خرج خالد أبو طه من دكانه في رفح راكضا يبحث عن أولاده، فوجدهم آمنين في الشقة فوق الدكان، ولكن شبابيك الشقة والدكان تحطمت تاركة بيت أبو طه بلا نوافذ ويقول: "من سيصلح الشبابيك؟ الحكومة المصرية أم حكومة الوفاق الفلسطينية، التي لم تعرض علينا شيئا خلال الحرب في الصيف ولا بعدها؟".
ويجد عمر أن سيناء كانت طيلة الوقت مركزا للتوتر، الذي ازداد بعد الإطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي في تموز/ يوليو 2013. ومع أن الهجمات على الجيش والسياح تحصل من وقت لآخر، إلا أن الأسابيع القليلة الماضية شهدت عددا ممن الهجمات المميتة، حيث قتل 31 جنديا في يوم واحد الشهر الماضي.
ويذكر الموقع أن هذه الحادثة جعلت مصر تكثف من حملتها في سيناء، وتأخذ على نفسها مسؤولية إقامة منطقة عازلة على حدود غزة، وهذا يتطلب هدم بيوت في المنطقة المحددة. وبحسب الخطط المصرية فإن عملية الطرد ستتم على مراحل، الأولى تهدف إلى طرد سكان 802 بيت يقطنها 1165 عائلة مصرية، على مسافة 500 متر من الحدود.
وينقل التقرير عن محافظ شمال سيناء عبد الفتاح الحرور قوله إن حكومته ستعوض من خسروا بيوتهم بأرض لإقامة بيوت جديدة، ولكن السكان قالوا بأن هذا لا يكفي.
ويشير الكاتب إلى أن السلطات المحلية قامت باستطلاع رأي العائلات في المنطقة؛ لمعرفة ما هو التعويض المفضل لديهم، فأجاب 65% منهم برغبتهم بالحصول على تعويض مالي، فيما طالب 29% منهم بتعويض مالي بالإضافة لقطعة أرض مناسبة، و2% طالبوا بسكن بديل. وهناك 78 عائلة إلى الآن أخبروا بأنهم لن يقبضوا تعويضا لبيوتهم؛ لأن السلطات اكتشفت أنفاقا تحت بيوتهم.
وقال المحافظ للموقع: "طلبنا من الناس في مدينة رفح الحدودية أن يقدموا أوراقا تثبت ملكية تلك البيوت".
ويعتقد عمر أن هذه الأخبار سيكون لها صدى كبير في غزة، التي اعتمدت على الأنفاق لتحريك اقتصادها منذ أن فرضت إسرائيل عليها حصارا عام 2007.
ويذهب التقرير إلى أن الأضرار قد أثرت إلى الآن على مناطق قريبة من مخيم يبنا للاجئين في رفح الفلسطينية، وقريب منه تقع منطقة البراهمة، التي قسمها جدار الفصل بين غزة ومصر، والذي أقيم في 2009. وعندما تم بناؤه قال السكان إنهم يشعرون، كما شعر أهل برلين عندما أقيم الجدار؛ ففي الحالتين فرق الجدار أناسا، وفي حالات كثيرة قسّم عائلات.
ويوضح الكاتب أنه بعد إقامة الجدار وجد نصف الناس أنفسهم تحكمهم مصر، وبقي الآخرون في الجانب الفلسطيني. والآن بينما تعاني العائلات في جانب من الجدار ويرون بيوتهم تهدم يحس أقرباؤهم في الجانب الآخر بالآثار المباشرة لهذا الفعل.
ويقول عبيد إنه منذ أن بدأت عمليات الهدم وعائلته تنام في الجزء البعيد عن الحدود من البيت، وحتى هذا الإجراء لم يمنع الصغير لطفي من التبول في فراشه كل ليلة؛ بسبب خوفه.
ويختم الكاتب تقريره بالإشارة إلى أن الطفل لم يستوعب أسباب التفجيرات الحالية، ولا يستطيع التمييز بين التفجيرات اليوم وتلك التي حصلت أثناء الحرب الإسرائيلية على غزة خلال الصيف، فبالنسبة له كلاهما شيء واحد. ويقول عبيد: "أطفالنا مصابون بالصدمة، وبالكاد نستطيع أن نفهمهم أنه ليست هناك حرب، ناهيك عن إقناعهم بأن الحرب الإسرائيلية انتهت".