كتب
حسين الرواشدة: أخشى ما أخشاه أن نستغرق في "نومنا" حتى نصحو -إذا قدّر لنا أن نصحو - فنكتشف أنه لا يوجد أي انفراج (للأزمات) التي تحاصر بلداننا العربية، ولا يلوح في الأفق (نهاية) أو
ضوء في آخر
النفق الذي دخلنا فيه، هذه بالطبع ليست دعوة (للتشاؤم) ولكن استشراف لوقائع أطلت علينا، ويفترض أن نقرأها بعيون مفتوحة على الواقع لا على الآمال و الرغبات والأوهام أيضا.
إذا سألتني عن الوقائع التي استندت إليها، فإنني سأشير الى ثلاثة منها على الأقل، الاولى ( الحرب ضد الارهاب)، فقد توافقت معظم دول المنطقة على أن هذه الحرب هي حربها، وسواءً اختلفت الأهداف أو المبررات فإن كل دولة أصبحت تعتقد أن لها نصيبا من كعكعة الحرب ضد (
داعش)، وبالتالي فإن (قناة) هذه الحرب ستوظف في تصريف صراع النفوذ والارادات والمطامع، كما أنها ستستخدم في إعادة ترسيم خرائط المنطقة وادوار الفاعلين فيها، وسيستغرق ذلك وقتا طويلا، مما يعني أن ساعة الحسم ستحتاج الى سنوات، أما الواقعة الثانية فهي تتعلق بالفاعل الاول والمحرك الاساسي للأحداث في منطقتنا، وأقصد أمريكا التي انتهت فيها انتخابات الكونغرس التجديدية مؤخرا بفوز ساحق للجمهوريين على حساب الديمقراطيين ( 52 في مجلس الشيوخ مقابل 43 للديمقراطين و242 في مجلس النواب مقابل 174 للديمقراطيين)، وما يهمنا في انعكاسات هذه الانتخابات على منطقتنا يتعلق اولا بموقف واشنطن من الحرب كمبدأ لحسم الصراعات وهو ما يتبناه الجمهوريون، وثانيا بموقفها المؤيد على طول الخط لاسرائيل الذي نتوقع أن يتصاعد بشكل ( فج) في ظل هيمنة الحزب الجمهوري الذي يعتبر بعض أعضائه أنفسهم (صهيونيين)، زد على ذلك أن الحلول الديمقراطية التي تبناها الديمقراطيون في منطقتنا، ستتراجع تماما تحت ضغوط الجمهوريين الذين يعتقدون أن مصلحة أمريكا السياسية والاقتصادية تكمن في إشعال المزيد من الحروب في هذه المنطقة.
الواقعة الثالثة هي نقل الصراع من دائرة (السياسة) إلى دائرة (الدين)، واستخدام (الإسلام) كأداة لتصفية الخلافات بين دول هذه المنطقة وشعوبها، مما يعني أن العدو أصبح محددا وهو (نحن) كما أن المنقذ هو الآخر الذي نتحالف معه (ضد أنفسنا طبعا)، ما حدث بالطبع ليس جديدا، فقد سبق أن استخدم الغرب (الاسلام السني) لمواجهة المدّ الشيعي، كما تم توظيفه لمواجهة المدّ القومي، فيما انقلبت الصورة بعد أحداث 2001، حيث جرى استقدام ايران (الاسلام الشيعي) وتمكينه من مد نفوذه في العراق، الى أن خرجت (داعش) فجرى التحالف مع (إيران) لتصفيتها بالتعاون مع الدول التي استشعرت خطر (التطرف) على وجودها أو على حدودها، ومشكلة التحول هنا في الصراع من نقطة السياسة التي أفرزتها احتجاجات وثورات الربيع العربي التي كادت أن تغير الموازين في المنطقة الى نقطة الدين الذي يشكل أكبر (خزان) للانفجار في داخل الذات المسلمة، ولاحقا داخل الاطار الحضاري للمنطقة، مشكلة ذلك تكمن في مسألتين : احداهما ان الصراع داخل الدين يضمن إغراق العالم العربي و الاسلامي في فوضى طويلة كما يضمن للغرب ادارة هذه الفوضى و الاستثمار فيها، ويحافظ على مصالحه (النفط تحديدا وحماية اسرائيل ايضا)، أما المسألة الاخرى فهي أن هذا الصراع
(الديني) أفضل وصفة لاجهاض ارادة الشعوب في التحرر والديمقراطية، فبدلا من أن تكون الانظمة بالنسبة للشعوب هي الخصم، تتحول الى (صديق) مطلوب لمواجهة الاعداء الجدد، سواء المصنفين مذهبيا أو طائفيا، أو المدرجين في قائمة (الارهاب).
من تحت أنقاض هذا الوقائع، وغيرها، يبدو أن الصوت الذي سنسمعه هو الدعوة الى الاحتشاد (للحرب) والدفاع عن النفس، أما الاصلاح والتغيير والديمقراطية والحرية فقد أصبحت (مخلفات) لمرحلة مضت وانقضت أو أنها - أضعف الايمان- مؤجلة لعشر سنوات أو أكثر.
يمكن أن نتذكر هنا أن السبعين سنة التي مضت في تاريخنا العربي (ما بعد الاستقلال) توزعت على خوض المعارك والانشغال بالبحث عن الأعداء، فتحت شعار (لا صوت يعلو على صوت المعركة) مع اسرائيل طبعا، أغلقنا أبواب الحرية والديمقراطية أمام شعوبنا، وعلى صوت مواجهة (العدو السوفياتي) ثم العدو (الشيطان الأكبر) وصولا الى الحرب ضد الارهاب أوقفنا قطار التغيير والاصلاح، وها نحن مستمرون في هذا الواجب.. إلى متى؟! لا أدري..لكنني بصراحة أشك بأننا سنخرج في القريب من هذا (الفخ) الذي وقعنا فيه منذ عقود. ولا أرى للأسف أي ضوء في نهاية النفق...أرجو أن أكون مخطئا، سامحوني.
(الدستور الأردنية)