على الرغم من تصاعد حالة التوتر والتراشق الإعلامي بين حركتي "
حماس" و"
فتح" في الآونة الأخيرة، إلا أن الحركتين أجمعتا على لسان متحدثيها بالضفة الغربية، على أن الخيار الوحيد أمامهما هو الوحدة الوطنية، والشراكة السياسية.
وقبيل ساعات انتهاء المدة المحددة لتحديد موعد لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، تصاعدت حدة التوتر بين الحركتين، لا سيما عقب التفجيرات التي استهدفت منازل لقياديين بحركة "فتح" في قطاع غزة، الجمعة قبل الماضي، حيث اتهمت حركة "فتح" على لسان رئيسها محمود
عباس رئيس السلطة الفلسطينية، حركة "حماس" بالوقوف خلف تلك التفجيرات، فيما نفت الأخيرة ذلك، ما أشعل فتيل أزمة جديدة بين الحركتين.
وتنتهي السبت، مدة الشهور الستة، التي حددت باتفاق
المصالحة لترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، وتحديد موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية، ما يضع الحركتين على مفترق طرق، في ظل عدم التوصل لأي اتفاق داخلي يضمن إجراء انتخابات ويحدد موعدها.
وتوصلت حركتي "حماس" و"فتح" إلى تفاهمات بشأن تنفيذ كافة بنود اتفاق المصالحة الموقع بينهما في نيسان/ أبريل 2014، منها التأكيد على سرعة تهيئة الأجواء لإجراء الانتخابات وفق ما ورد في الاتفاقيات والتفاهمات التي كان آخرها إعلان الشاطئ في 23 من نيسان/ أبريل الماضي.
اتهامات متبادلة
ومن جهته، أشار الناطق باسم حركة "حماس" بالضفة الغربية، حسين أبو كويك، إلى أن حركته "كانت جادة ولديها مصداقية عالية بما تم الاتفاق عليه".
وأضاف أن "أكبر دليل على صدق نية الحركة بتحقيق المصالحة، هو موافقتها على تشكيل حكومة التوافق برئاسة رامي الحمد الله، دون أن يكون لها ممثلون بالحكومة، لكن الحركة اتجهت لتكريس الوحدة الوطنية على حساب أي شيء آخر، وتم الاتفاق في القاهرة وغزة على رزمة من القضايا الهامة للشعب الفلسطيني لاستنهاض الحالة الفلسطينية وإيجاد شراكة سياسية حقيقية، وإيجاد برنامج سياسي مشترك نواجه به الاحتلال".
وقال: "للأسف الشديد، فتح والسلطة لم تلتزم بأي شي من تلك القضايا، سواء بتشكيل أو تبديل الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية أو على صعيد إجراء انتخابات تشريعية وبرلمانية ورئايسية أو على صعيد تفعيل اللجان التي لها علاقة بالمصالحة المجتمعية وحقوق الإنسان الفلسطيني واللجان الأخرى التي تم الاتفاق عليها، والتي تعد أساسا لتكريس الوحدة الوطنية القائمة على الشراكة السياسية.
وتابع بأن "فتح لا زالت تحتكر القرار السياسي الفلسطيني، فالتنسيق الأمني لا زال قائما على أشده، وتطور خطير بالمنع من التعبير عن رفضهم لممارسات الاحتلال، ويمنع عن ممارسة حقه بالدفاع عن المسجد الأقصى، إضافة لاستمرار الاعتقالات السياسية والاستدعاءات للنشطاء وعناصر حركة حماس بالضفة".
وذكر أبو كويك أن حركة "حماس" سيكون لها رد رسمي على عدم تنفيذ حركة "فتح" على ما تم الاتفاق عليه، مضيفا أن حماس تتدارس كيفية الرد على السلطة وحركة فتح على تصعيدها الإعلامي على ضوء التطورات الأخيرة، بما في ذلك انتهاء المدة المقررة لتحديد موعد الانتخابات المقرر اليوم، لكن لغاية الآن لم تعلن الحركة موقفها بعد.
وحول ما يتعلق بما تم إنجازه على أرض الواقع خلال الشهور الستة الماضية التي أعقبت اتفاق المصالحة، قال أبو كويك إنه "لم يتم تحقيق شيء على أرض الواقع سوى تشكيل الحكومة، وحتى الحكومة لدينا ملاحظات كثيرة عليها، فهي لا تقوم بواجباتها ومقصرة في موضوع رفع الحصار عن غزة وإعادة الإعمار وإغاثة الأهل بغزة وقضية الموظفين، فغزة جزء لا يتجزأ من الوطن".
واتهم أبو كويك حركة "فتح" بالتصعيد الإعلامي، مشيرا إلى أنها تهدف من ورائه إلى توجيه رسالة للجانب الأمريكي وإسرائيل، بأنها لا تريد المصالحة مع "حماس"، وترجح التفاهم والتوافق مع الجانب الإسرائيلي والأمريكي.
بدوره، قال الناطق باسم حركة "فتح" أحمد عساف:"لا يوجد موعد لانتهاء المصالحة".
مضيفا: "نحن مصرون على إتمامها وتحقيق الوحدة الوطنية، لا خيار أمامنا إلا بإنجازها، لكن هناك معيقات حالت دون إنجاز ما اتفق عليه، وهو إصرار حركة حماس على سيطرتها الأمنية في غزة، وجعل الموضوع الأول هو موضوع الموظفين، على الرغم من أن هذا الملف نصت عليه اتفاقات المصالحة، وتم تشكيل لجنة قانونية لمتابعته"، على حد قوله.
واتهم حماس بأنها "تعيق المصالحة بالتصريحات السلبية والتهجم على السيد الرئيس، وهي تصريحات غير مقبولة، ففي الوقت الذي يتعرض له الرئيس لهجوم من قبل إسرائيل، نجد حماس تستخدم ذات المصطلحات، وهذا لن يخدم المصالحة، وعلى الرغم من ذلك نحن مصرون على المضي قدما بها".
وأشار الناطق باسم فتح إلى الخيارات المطروحة أمام حركته مع انتهاء الموعد المقرر لتحديد موعد إجراء انتخابات، وهي "الإصرار على إنجاز المصالحة".
وقال: "حركة فتح لا تعمل وحدها، هي جزء من منظومة وطنية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، وتسعى لتنفيذ كل ما تم التوقيع عليه، نحن مصرون على إنجاز الانتخابات الرئاسية والتشريعية وانتخابات المجلس الوطني، وهذا ليس خيارا وإنما حق للمواطن الفلسطيني، ونأمل أن يكون هناك توافق على إجراء الانتخابات في أقرب وقت".
ولفت إلى أن أبرز ما تم إنجازه خلال فترة الشهور الستة التي تم تحديدها للاتفاق على الملفات الداخلية، هو إنجاز حكومة الوفاق الوطني الفلسطيني، مضيفا أن "عنوان الانقسام كان وجود حكومتين لشعب واحد، وعنوان المصالحة الآن وجود حكومة واحدة لشعب واحد، ولكن هناك عراقيل في طريق الحكومة، والحوار هو الحل لتجاوز هذه العراقيل من خلال الحوار، وليس من خلال التصعيد والعودة لمربع الانقسام".
وقال عساف إن "حركة فتح مصرة على إنجاح الحكومة وبسط ولايتها على قطاع غزة، وأن تستلم إدارة المعابر، من أجل تقديم كل الخدمات للشعب الفلسطيني".
وحول إمكانية عودة السلطة للمفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي، كأحد السيناريوهات التي من الممكن أن تطرح خلال الفترة المقبلة، لا سيما في ظل عدم التوصل لاتفاق واضح مع حماس، قال عساف: "المفاوضات تتم من خلال منظمة التحرير الفلسطينية، والرئيس عباس أوضح أننا مقبلون على قرار في مجلس الأمن لإنهاء الاحتلال تحت سقف زمني محدد، إذا ما أفشل هذا القرار بفيتو أمريكي سننضم للمنظمات الدولية، المفاوضات الآن غير مطروحة كالسابق، عندما توقف إسرائيل استيطانها وتعترف بحدود الـ67 سيكون لكل حادث حديث".
اختلاف منهجي
بدوره، رأى أستاذ الإعلام في جامعة النجاح الوطنية في نابلس (شمالي الضفة) فريد أبو ضهير وجود تكريس للاختلاف بين منهجي الحركتين، لا سيما بعد انتهاء الحرب على قطاع غزة.
وقال أبو ضهير: "من الواضح أنه بعد انتهاء الحرب على غزة أصبح هناك تكريس للاختلاف بين منهج المفاوضات ومنهج المقاومة، ويتضح هذا الأمر بالتراشقات الإعلامية وطريقة نظرة كل طرف للتطورات وما يحدث على أرض الواقع خاصة فيما يتعلق بإعمار غزة وقضية المصالحة".
وأضاف أن "الانتخابات لا يجب أن تكون هدفا بحد ذاتها، فهي وسيلة لتطوير الواقع الفلسطيني والموقف الفلسطيني واختيار جهة ممثلة للشعب الفلسطيني لتحدد معالم المستقبل".
واستبعد أستاذ الإعلام نجاح الانتخابات في ظل الوضع الراهن من تراشق إعلامي وتوتر داخلي، قائلا: "لا أعتقد بنجاح الانتخابات في ظل وجود الاختلاف العميق في الرؤية وفي طريقة المعالجة، فالانتخابات يجب أن تكون موازية لإعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية، وتفعيل الإطار القيادي للمنظمة".
وتابع بأن الخطوة الأولى يجب أن تكون تفعيل الإطار القيادي للمنظمة، وهذا الإطار هو الذي سيحدد تفاصيل كثيرة منها انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني، واللجنة التنفيذية، وانتخابات السلطة، وإدارة الوضع في غزة، وخاصة ما يتعلق بقضية الإعمار.
ورأى أبو ضهير أن القيادات السياسية الفلسطينية انشغلت بالقضايا الجزئية، وتركت القضايا الرئيسية التي تتمثل في الشراكة السياسية وتفعيل الإطار القيادي للمنظمة.
وختم بالقول إن "مسألة التراشقات يمكن أن تدارك وتحتوى بإرادة من الطرفين، وإن كانت هذه التراشقات لم تأت من فراغ، فلا دخان بلا نار، فهي نتيجة لاختلافات في الرأي من الأصل".