في إطار الفكر القومي والوطني، هناك ما يشبه الإجماع على أن العروبة القومية الإسلامية الحضارية هي المكون الجامع للهوية الحضارية لأمتنا.. وعلى سبيل المثال، يقول فيلسوف البعث العربي ميشيل عفلق (1910 – 1989م) –وهو المسيحي الذي غدا أبرز المفكرين القوميين العرب- : "لا يوجد عربي غير مسلم، فالإسلام هو تاريخنا، وهو بطولاتنا وهو لغتنا وفلسفتنا ونظرتنا إلى الكون – إنه الثقافة القومية الموحدة للعرب على اختلاف أديانهم ومذاهبهم، وبهذا المعنى لا يوجد عربي غير مسلم، إذا كان هذا العربي صادق العروبة، وإذا كان متجردا من الأهواء ومتجردا من المصالح الذاتية، وإن المسيحيين العرب عندما تستيقظ فيهم قوميتهم سوف يعرفون بأن الإسلام هو لهم ثقافة قومية يجب أن يتشبعوا بها ويحيونها ويحرصوا عليها حرصهم على أثمن شيء في عروبتهم.. ولئن كان عجبي شديد للمسلم الذي لا يحب العرب، فعجبي أشد للعربي الذي لا يحب الإسلام".
وعلى هذا الدرب، درب التأكيد على عروبة وإسلامية الهوية الحضارية للأمة، يقول المفكر الحضاري الدكتور أنور عبد الملك (1922 – 2012م): "إن أي إنسان عاقل يدرك أن مصر هي أقدم أمة وحضارة في التاريخ قاطبة ومنذ الفتح العربي الإسلامي دخلنا بالتدريج في دائرة أسميناها الدائرة العربية، ولكنها في الواقع هي دائرة الحضارة الإسلامية التي تتمركز حول مبدأ واحد هو "التوحيد" الذي يتفق بشكل مطلق مع خصوصية مصر، فالحياة العامة في مصر بها قبول بالسليقة للتوحيد، ناتج من وحدة الأمة المصرية منذ ما يزيد على ثلاثة آلاف سنة، وبالتالي فالإطار الحضاري للإسلام يشمل المرحلة القبطية - "أي
المسيحية المصرية" - كما أن لغتنا هي العربية، لغة القرآن".
ومن المفكرين والمثقفين المسيحيين المصريين الذين أسهموا في هذا الاتجاه الدكتور غالي شكري (1925 – 1998م) الذي كتب يقول: "إن الحضارة الإسلامية هي الانتماء الأساسي لأقباط مصر، وعلى الشباب القبطي أن يدرك جيدا أن هذه الحضارة العربية الإسلامية هي حضارته الأساسية، إنها الانتماء الأساسي لكافة المواطنين، صحيح أن لدينا حضارات عديدة، من الفرعونية إلى اليوم، ولكن الحضارة العربية الإسلامية قد ورثت كل ما سبقها من حضارات، وأصبحت هي الانتماء الأساسي، والذي بدونه يصبح المواطن في ضياع، إننا ننتمي - كعرب من مصر - إلى الإسلام الحضاري والثقافي، وبدون هذا الانتماء نصبح في ضياع مطلق، وهذا الانتماء لا يتعارض مطلقا مع العقيدة الدينية.. بالعكس، لماذا؟ لأن الإسلام وحد العرب، وكان عاملا توحيديا للشعوب والقبائل والمذاهب والعقائد".
وعلى هذا الطريق - طريق تأكيد كوكبة من المفكرين المسيحيين على أن الإسلام هو المرجعية الحضارية للأمة، وأنه هو أيديولوجية مشروع نهضتها - سار المفكر الحضاري الدكتور رؤوف نظمي - محجوب عمر - (1932 – 2012م) الذي كتب يقول: "إن الأمة مرجعيتها واحدة وهي الإسلام، بما له من تراث وعقائد وأصول، والأساس هو أن يكون للأمة مرجعية واحدة، فإذا كانت الأمة إسلامية فمرجعيتها الإسلام، وإذا كانت كونفوشيوسية فمرجعيتها الكونفوشيوسية، إن أغلبية الأمة مسلمون، والمطلوب هو توجيه الجهود للعمل مع الأغلبية التي لا تزال على مرجعيتها التاريخية، وعلى تراثها الحضاري، وعلى عقيدتها.
نحن لدينا دستور يقول: إن دين الدولة هو الإسلام، وكافة مواد القانون تكون في حدود الشريعة، والمطلوب فقط ترويج هذا الفهم للإطلاق وطاقات الإبداع في المشروع الحضاري.
وإذا كانت المرجعية الإسلامية هي مرجعية الجميع، تنتهي المشكلة فالمطلوب أن يكون مشروعنا حضاريا، من حضارتنا، وحضارتنا إسلامية، فالمطلوب أن يكون الإسلام هو المرجعية العامة للجميع".
تلك نماذج من المواقف الفكرية التي أعلنها مفكرون مسيحيون، والتي تؤكد عروبة الهوية الحضارية وإسلاميتها، وهي مواقف تحتاج إلى أن نسلط عليها المزيد من الأضواء.