لم تكن "ر.ع"، وهي امرأة في الثلاثين من عمرها وتسكن في إحدى قرى
طرطوس، تتوقع أن يكون سبب وفاة زوجها منذ عدّة أيّام هو
الشبيحة كما ترجّح، "فهو لم يكن مقاتلاً مع نظام الأسد أو مع إحدى ميليشياته، بل عاملاً بسيطاً، وقد توفي وهو على دراجته النارية عائدا من عمله إلى المنزل".
مقتل زوج "ر.ع" ليس سوى أحد الأحداث التي باتت تتكاثر في بيئات
العلويين الريفيّة، والتي باتت تشكّل حيّزاً هاماً من مشهد هذه القرى التي ربما يبدو ذلك بعيداً عن صورة الريف الهادئ والودود.
تقول "ر.ع" إن "زوجي كان يعمل في إحدى القرى المجاورة كطيّان، وكغيره من الحرفيين لم يكن يأخذ أجره حتى انتهاء العمل أو هكذا درجت العادة. وفي يوم وفاة زوجي كان قد أنهى عمله وأخذ حسابه كاملاً، حيث اتصل بي وهو يشعر بالسعادة، وأخبرني بأن أجهّز لحفلة بسيطة ريثما يصل للمنزل".
تتابع "ر.ع": "قتل زوجي على الطريق عندما كان يقود درّاجةً آلية، حيث خمّن الجميع أنّ وفاته جاءت نتيجة حادث مروري، وسط ظروف غامضة تعمّدت أجهزة الأمن أن تلف بها حدث الوفاة، وتسليمها للقضاء والقدر".
لكنّ الزوجة تبيّن أنه "عندما استلموا الدراجة الآلية لم يشهدوا فيها أي أثر لحادثٍ، ما أثار الشكوك حول طريقة موته"، مضيفة: "كنت حينها أشعر بالحزن الشديد، ولم أخبر أحداً أنّ زوجي كان قد استلم مبلغاً من المال هو أجر عمله لشهرين كاملين، لكن شكّنا في تحقيقات الشرطة أصبح علنيا، وبالأخص أنه كلمني يوم وفاته، وهذا دليل قاطع بأنّ الوفاة لم تكن بسبب حادث سير عرضي".
محضر التحقيق الذي أغلق بسرعة من قبل الشرطة المحليّة في بلدة الشيخ بدر أعيد فتحه من جديد تحت ضغط الأهل، لكنّهم لم يستطيعوا التوصل لشيء، بحسب "ر.ع"، فالجميع يحمل السلاح، والجميع نهم للمال في ظل الفقر والغلاء، وما من قرية تخلو من عشرات الشبيحة الذين يسرقون وينهبون في ظل تصفيق الجميع لهم بما فيهم النظام ومشايخ الدين الذين استنكروا بخجل مثل هذه التصرفات دون تحميل النظام أيّة مسؤولية.
تبين "ر.ع" أنّ حدث الموت هذا أصبح شيئاً دارجاً معتاداً في القرية التي دفنت أكثر من عشرين شاباً منذ بدء الثورة، وأن الأرامل تكاثروا، وأنها لا تشعر سوى بأنّها انتقلت للشريحة المنكوبة التي تتسع شيئاً فشيئاً.
وتتساءل: "من هم المندسّون؟ ومن هم القتلة؟ ماذا تفعل كلّ هذه الحواجز في كل المناطق وفي كل القرى؟ هل أتى الإرهابيون وقتلوا زوجي؟ وهل يستطيع النظام أو بشار الأسد أو ميليشياته أن يعوضوا هذا الفقدان؟".
وتتابع: "ليذهبوا جميعاً للجحيم"، في إشارة إلى الميليشيات والشبيحة. هذا ماقالته "ر.ع" وسط جمع من الأهل الذين راحوا يكيلون بالشتائم لكل هؤلاء، دون أن تصدم هذه الشتائم الغرباء من الموجودين، بل إنّ بعضهم راح يشتم بدوره بسبب مصابه ولشعورٍ طغى على الجميع أن خراباً كبيراً قادماً وأن نظام الأسد سيتركهم في مهب الريح.