فرضت
الثورة على المجتمع السوري بكل مكوناته واقعا جديدا غيّر تفاصيل حياة السوريين ومعيشتهم وأعمالهم وحتى مكان إقامتهم، حيث أصبحت هناك مهن جديدة يعمل بها كل منزل سوري معارضا كان أم مواليا للنظام، مؤيدا للثورة أو رافضا لها.
إياد، شاب سوري دفعته الثورة إلى ترك وظيفته كمهندس في إحدى الشركات والخروج من
سوريا، لمتابعة
العمل مع أصدقائه في إحدى الهيئات التي تعنى بإغاثة الشعب السوري. ويقول إياد في حديث خاص لـ"عربي21": "اضطررنا لنقل مقر عملنا إلى تركيا بعد الملاحقات التي تعرض لها أعضاء الفريق".
يتابع إياد: "تركت مهنتي واختصاصي، الذي لم أكن أتوقع في يوم من الأيام أن أغيره. فالثورة فرضت علينا الكثير من الأمور، واليوم أعمل في مجال الإغاثة ولا أنوي العودة إلى عملي حتى انتهاء الأزمة التي يعيشها الشعب السوري، فأنا حتى اليوم أجد نفسي مقصرا في خدمة بلادي مقارنة بأصدقاء لي على جبهات القتال".
ولم تقتصر هذه المهن الجديدة على المعارضة فقط، فقد أصبح هناك تسميات جديدة في البيئة المؤيدة للنظام لمهن فرضتها الظروف التي تمر فيها البلاد، مثل التطوع في "اللجان الشعبية" (ميليشيات الشبيحة) الذي أصبح ظاهرة منتشرة بين
الشباب المعروفين بسوء السمعة ممن بقوا في مناطق النظام، حيث إن الأخير يقدم لهم مبالغ جيدة، ويمنحهم في البداية بعض الصلاحيات يتسلطون بها على أبناء مناطقهم فرحين بالبندقية التي قدمها النظام لهم والتي ستأخذهم إلى "جحيم" جبهات القتال.
أحمد، ابن أحد الأحياء الدمشقية التي قدمت الكثير في الثورة، حيث إن كثيرا من شباب الحي في المعتقلات أو على جبهات الريف الدمشقي. انتسب أحمد لـ"جيش الدفاع الوطني" (ميليشيات الشبيحة أيضا). وبحسب أحد أقربائه، "قام أحمد بالتسلط على أبناء حيه وابتزازهم في ظل غياب معظم شباب الحي، كما ساقه القدر إلى جبهة المليحة ليصاب برصاصتين ثم ليعود إلى منزله مصابا غير قادر على الحركة من جديد، ما جعل أبناء حيه يشعرون بالراحة بسبب ما ذاقوه منه".
والخروج خارج البلاد والابتعاد عن ويلات الحرب حال الكثير من الشباب أيضا، ولكنه خيار صعب خاصة للفقراء الذين يجدون أنفسهم مضطرين للعمل بأي
مهنة وبكل الظروف لتأمين لقمة عيشهم بعيدا عن الأهل والأصحاب، بحثا عن الأمان وخوفا من الاعتقال أو السوق إلى خدمة العلم.
الشاب محمد، اضطر لترك كل شيء في حياته ليخرج من سوريا بعد علمه بنية النظام سحب الشباب إلى خدمة الاحتياط وبدون سابق إنذار. ويقول: "صعقني خبر الاحتياط، فوجدت نفسي عاجزا عن التفكير والاختيار، فلا وقت بين يدي لمثل هذا".
ويضيف محمد: "تركت كل شيء: عائلتي وزوجتي، وسافرت لأواجه واقع الغربة الصعب بدون مال أو عمل، ولكن لا خيار آخر. لا أدري هل سألتقي بهم مرة أخرى أم أن ذلك من المستحيلات، فلا قدرة عندي على تأمين معيشتهم معي في بلاد الغربة، فأنا اليوم عامل بسيط في معمل ملبوسات ولا يمكنني العودة إلى بلادي أيضا، سأنتظر القدر الذي سيجمعني بهم، فلا أملك إلا الانتظار والدعاء" حسب تعبيره.
الواقع الجديد الذي يعيشه الشعب السوري أنتج مهنا جديدة لم يكن يعرفها الشعب السوري سابقا، فكم من شاب غيّر اختصاصه الذي قدم في سبيل إتقانه سنوات من عمره ليتابع نشاطه الثوري، ويقدم ما يستطيع في خدمة الثورة.
في المقابل، هناك الكثير من الشباب السوريين وجدوا في صفوف النظام وظائف جديدة لم تكن موجودة. فالانتساب لميليشيات "الجيش الوطني" و"اللجان الشعبية" التي يسوّق لها النظام بسبب حاجته المتزايدة للمقاتلين، أصبح واقعا تعيشه المناطق التي يسيطر عليها النظام في ظل البطالة والفساد التي تعيشه هذه المناطق.
صنف ثالث من الشباب السوري لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، رمت به الظروف خارج البلاد ليواجه الواقع المعيشي الصعب في بلاد الغربة ويبدأ حياته من جديد.