دفعت الأحداث الجارية في
سوريا أصحاب المتاجر في الأسواق القديمة لمدينة
حلب، ثاني مدن سوريا وعاصمتها
الاقتصادية، إلى إغلاق هذه المتاجر التي لطالما تفاخروا بها ونقلها إلى مواقع أخرى، أو حتى التخلي عنها ومزاولة مهن أخرى.
وفي حي الفرقان، المنطقة التجارية الرئيسية في الجانب الغربي من حلب الخاضع لسيطرة قوات النظام السوري، يحاول حسين عبدالله إعادة إحياء "اراكس"، العلامة التجارية للفلافل التي كان يبيعها في السابق وعاد ليروج لها اليوم في موقع جديد.
ويقول عبدالله (30 عاما): "كنا نملك محلا تبلغ مساحته 40 مترا مربعا، كان دائما مزدحما بالزبائن لشهرته لدى أبناء حلب والأجانب، لكن الحرب أجبرتني على إغلاق هذا المحل الذي أسسه جدي" في سوق السقطية.
ويضيف فيما يقوم أشخاص قربه بإلقاء قطع الفلافل في الزيت في المحل الجديد بعيدا عن السوق القديم حيث كان يقع محل جده "العمل لا يجري كما كان عليه في السابق، لكن ماذا تفيدنا الشكوى؟ علينا أن نعمل، إنه بلدنا".
وسوق السقطية الذي يشتهر ببيع الخضراوات والفواكه والأطباق الحلبية الشعبية، هو أحد الأسواق القديمة في حلب، حيث يوجد أكبر سوق مسقوف في العالم يمتد لمسافة 15 كلم تقريبا في حلب القديمة التي يعود تاريخها إلى القرن الرابع عشر.
لكن هذا السوق الموضوع على لائحة منظمة الأونيسكو للتراث العالمي مغلق اليوم كونه يقع في منطقة اشتباكات، علما أن جزءا كبيرا من هذا السوق الشهير تعرّض للتدمير بفعل الحرائق والقصف، منذ أن انقسمت حلب إلى منطقتين منفصلتين صيف العام 2012.
وتسيطر المعارضة السورية المسلحة حاليا على معظم مساحة هذا السوق.
ويشكو التجار من انهيار أعمالهم، لكنهم يأملون في الوقت ذاته في إعادة فتح أبواب محالهم هناك، رغم الدمار الذي حل بها.
محمد الأطرش (51 عاما) كان يبيع السيارات في حي الصاخور الخاضع لسيطرة المعارضة حاليا، إلا أن الحرب دفعته للعودة لمزاولة مهنة عائلية قديمة: بيع حلوى المشبك.
ويقول الأطرش "كان المحل الذي أسسه جدي في باب الجنان. أحرق هذا المحل وأغلق معرض السيارات الذي كنت املكه، كان علي أن استمر في العمل، لذا وجدت شريكا وقمنا بفتح محل لبيع حلوى المشبك على الطريقة التقليدية".
وباب الجنان هو أحد أبواب مدينة حلب التاريخية، ويقود نحو مجموعة من البساتين تشتهر بشجر الفستق، وكان يشكل في الماضي معبرا رئيسيا للبضائع السورية نحو تركيا نظرا لقربه من منطقة انطاكية.
وفي سوق السجاد، كان الصائغ أبو سامي يملك محلا لبيع الذهب والمجوهرات قبل أن يضطر لإغلاقه.
ويقول الأربعيني الذي بدأ العمل مع والده في سن الثالثة عشرة "اخترت مهنة أخرى، بيع الأدوات الكهربائية، مثل آلات الحلاقة، لكن الكهرباء لم تعد متوفرة، لذلك عدت إلى مهنتي القديمة".
ويتابع بحسرة "لكن من سيشتري الصيغة، فيما الهم الأساسي هو توفير الطعام والعثور على عمل؟ أعمالي تراجعت بنحو 70 بالمئة".
وكما في الجزء الخاضع لسيطرة قوات النظام، ففي الجهة الأخرى من حلب خسر التجار هناك أيضا أعمالهم. وبيْن هؤلاء أبو علاء الذي كان يعمل نحاتا لكنه بات يبيع اليوم الخضار والفواكه.
ويقول أبو علاء "كنا نملك محلا لبيع المنحوتات الشرقية والنحاس، وكان العمل يسير بشكل جيد قبل أن تبدأ المعارك. البراميل المتفجرة والصواريخ دمرت سوق النحاس".
ويتابع أبو علاء (34 عاما) "بصراحة، لم أكن اعتقد أننا سنكون مجبرين على البدء من جديد من الصفر، وأن نعاني كما نعاني حاليا. إلى متى سنبقى نعيش على هذه الحال؟".