لقد نشرت صحيفة الأهرام في 6 مارس 1985م تصريحا للبابا شنوده (1923 – 2012م) يقول فيه: "إن الأقباط في ظل حكم الشريعة الإسلامية يكونون أسعد حالا وأكثر أمنا، ولقد كانوا كذلك في الماضي حينما كان حكم الشريعة هو السائد، إن
مصر تجلب القوانين من الخارج حتى الآن وتطبقها علينا، ونحن ليس عندنا ما في الإسلام من قوانين مفصلة، فكيف نرضى بالقوانين المجلوبة ولا نرضى بقوانين الإسلام؟، نحن نتوق إلى أن نعيش في ظل شريعة "لهم ما لنا وعليهم ما علينا".
وعندما صدر قانون الخلع عام 2002م صرح البابا شنوده في الأهرام في 26 مارس 2002م فقال: "إن الخلع مبدأ موجود منذ القدم في الشريعة الإسلامية، وإذا كان هذا القانون مفيدا للمرأة المسلمة فما المانع أن تستفيد منه المرأة
المسيحية، والمعروف هو عمومية القانون فلا نطبقه في حالة معينة لفائدة البعض ونرفضه في حالة أخرى، إن الخلع يسمح للمرأة - مسيحية كانت أو مسلمة - أن تتخلص من الزوج "المتعب" وبخاصة لو كانت هناك أسباب تجعل استمرار الحياة بينهما مستحيلا".
لكن البابا تواضروس - في أول حديث بعد ولايته - قال في الأهرام في 5 يناير 2013 عن الشريعة الإسلامية كلاما مغايرا، بل ومناقضا، فعندما سأله مندوب الأهرام أشرف صادق: هل الكنيسة مع الشريعة الإسلامية أم ضدها؟ قال: في الأمور الدينية تطبيق الشريعة يخص المسلمين، لأنها أمر ديني، وفي الأمور الوطنية والأمور الاجتماعية ليس مناسبا أن تطبق على غير المسلمين"!.
ولقد مثل هذا الموقف خروجا ليس على الموقف التاريخي للكنيسة فقط، وإنما على الموقف القانوني الذي ساد في بلادنا منذ أن دخلت في الإسلام، هذا الموقف القانوني الذي عبر عنه أبو القانون المدني الدكتور عبد الرزاق السنهوري (1895 – 1971م) عندما قال: "لقد أخطأ بعض الباحثين عندما اعتقدوا أن الإسلام ليس إلا دينا منزلا، ودفعهم إلى هذا الخطأ تقريب خاطئ بين الإسلام والمسيحية، فالمسيحية أعطت ما لله لله وما لقيصر لقيصر، ولكن الإسلام يختلف عن المسيحية اختلافا جوهريا، فقد جمع ما لله وما لقيصر، وخص المسلمين بما لله، وجعل ما لقيصر عاما واجب التطبيق على الكافة، مسلمين وغير مسلمين، والأصل في أحكام الشريعة أنها خطاب لجميع الناس، مسلمين وغير مسلمين، فهي إذن أحكام إقليمية، إذ هي واجبة التطبيق في دار الإسلام على جميع المقيمين فيها من مسلمين وغيرهم بل إن أعظم المذاهب الإسلامية شأنا وأوسعها انتشارا - وهو مذهب الحنفية - يطبق أحكام الشريعة الإسلامية في دار الإسلام حتى على المستأمنين.
والواجب التطبيق من أحكام الشريعة الإسلامية على جميع المقيمين في دار الإسلام هي كل أحكام المعاملات، لا فرق في ذلك بين أحوال عينية وأحوال شخصية فإن هذا التفريق لا يعرفه الفقه الإسلامي، وهو دخيل عليه استحدثه الكتاب في هذا العصر متأثرين في ذلك بالنظم الأوربية التي دخلت مصر حديثا، فأحكام المعاملات جميعا، سواء ما تعلق منها بالمال والعقود، وما تعلق بالمواريث والوصايا، وما تعلق بالأهلية والحجر، وما تعلق بالأنكحة والنفقات، يجب تطبيقها على جميع المقيمين في دار الإسلام، مسلمين وغير مسلمين، والمستثنى من ذلك مسائل قليلة، هي الزواج ونفي المهر وتقوّم الخمر والخنزير، لاتصالها بالعقيدة والدين، فيتركون فيها وما يدينون، وحتى هذه المسائل فإنهم يترافعون فيها إلى القضاء الإسلامي فيحكم بينهم بأحكام دينهم، إلا إذا تراضوا جميعا على التحاكم إلى أهل ملتهم، وهذا تحكيم مباح للمسلمين وغير المسلمين، على هذا أجمعت مذاهب الحنفية والشافعية والحنابلة، غير المسلمين مخاطبون بأحكام الإسلام في غير العقاد والعبادات، لهم ما لنا من الإنصاف، وعليهم ما علينا من الانتصاف".
تلك هي حقائق الفقه والقانون التي سادت واستقرت في تاريخنا الحضاري، والتي يجب الوعي بها والالتزام بحدودها ضمانا للعيش المشترك والوحدة الوطنية، التي تقتضي وحدة المدرسة، ووحدة القانون، ووحدة القضاء.